قبل الثورة، كان مجرّد التطرّق إلى شبهات فساد تحوم حول سياسيين أو مسؤولين في الدولة أو مقربين من النظام، مغامرة محفوفة بمخاطر الاعتقال والإيقاف، وكانت مثل هذه الأخبار يتم تداولها "خلسة"، ومن يجرؤ على كشفها إعلاميا أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي خاصّة خلال السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة تتم ملاحقته قضائيا بدعوى تعكير صفو النظام العام!.. اليوم تغيّرت المواقع والوقائع، وما كان يتم التعتيم والتستّر عليه بالأمس حتى لا تهتزّ صورة النظام الدكتاتوري، بات اليوم يُكشف دون تحرّج أمام الرأي العام وتعترف به الحكومات ويمثل "المتهمون" في هذه القضايا أمام القضاء دون تحصّن بمناصبهم الوزارية أو بمواقعهم في الدولة.. بل إن قضايا الفساد المالي والفضائح الأخلاقية هذه، التي لاحقت بعض السياسيين والنواب والوزراء، باتت مادّة مثيرة لوسائل الإعلام المحلية والدولية حيث يتحوّل سياسيون ومسؤولون في الدولة إلى مدانين أمام الرأي العام بالبرهان والحجّة.. وتعجّ مكاتب القضاة بالشكاوى والقضايا المتعلّقة بشبهات فساد مالي وسوء التصرّف تحوم حول سياسيين ومسؤولين في الدولة ووزراء دفعت بعض القضايا بهم إلى الاستقالة أو الإقالة.. ولكن الملفت في كل هذه القضايا أنها تنطلق ب"فرقعات" إعلامية قوّية و ب"ضجة" كبيرة وتنتهي إلى "المجهول" و"التناسي" دون أن يعلم أحد شيئا عن مصيرها... نعود من جديد لإماطة اللثام عن بعض هذه القضايا التي أخذت صدى محليا ودوليا وأوقعت حكومات وأحزاب في "الحرج السياسي"، بل إن بعض هذه الفضائح هدّدت مسيرة ومستقبل عدد من الشخصيات السياسية والحزبية وأجبرتها على التواري عن الأنظار.. وتبقى حكومة يوسف الشاهد من أكثر الحكومات التي لاحقت وزراءها شبهات فساد.. شخصيات لاحقتها الفضائح طوال السنوات الماضية علقت بالأذهان عدّة فضائح شكلت في وقتها صدمة للرأي العام نظرا لمواقع تلك الشخصيات والمناصب السياسية والحزبية التي كانت تشغلها، ومن بينها تلك الفضيحة التي لاحقت رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال حيث أكّد المحامي خالد عواينية في وقت سابق أنه رفع قضية ضدّ طوبال في حق موكلّه عز الدين البوخاري الذي تقدّم بشكوى يتهم فيها رئيس كتلة نداء تونس بتلقي رشوة قدرها عشرة آلاف دينار. "رشوة" يقول المحامي إنها قدمت لرئيس كتلة نداء تونس طمعا في أن يتدخل لصالح ابنته لإلحاقها بالعمل في سلك الملحقين القضائيين! ورغم أن المحامي خالد عواينية أكّد وقتها أن موكله عز الدين البخاري يمتلك تسجيلات صوتية تثبت إدانة سفيان طوبال بحصوله على المال مقابل وعده بتوظيف ابنته. غير أن رئيس كتلة حركة نداء تونس نفى نفيا قاطعا هذه الاتهامات التي اعتبرها مجرد افتراءات باطلة تقف وراءها أطراف سياسية معادية لنجاحه وبروزه السياسي داخل حزبه. كما لاحقت فضيحة أخلاقية النائب حسن لعماري بعد ما قيل عن استدراجه من طرف شاب من خلال موقع للدردشة حيث أوهمه بأنه فتاة جميلة ليقوم بتصوير النائب في "أوضاع مخلّة بالحياء". وقد اعترف النائب التونسي بتعرضه إلى عملية ابتزاز من قبل قراصنة إنترنت، لكنه نفى وجود أي تسجيل مرئي أو صور تثبت وجوده في وضعيات فاضحة كما جاء بتلك الاتهامات. الفضائح والاتهامات لاحقت أيضا رؤساء أحزاب ومنهم محسن مرزوق أمين عام حركة مشروع تونس الذي تعرّض إلى اتهامات بالتورط في الفساد فيما يعرف بوثائق بنما. وقد اتهم موقع "إنكفادا" الذي ساهم في نشر تلك الوثائق في تونس محسن مرزوق بتقدمه باستفسار عبر البريد الإلكتروني لشركة "مونسيكا" حول طريقة فتح شركة غير مقيمة، وهو ما أوحى بأنه كانت هناك نية من محسن مرزوق لإحداث شركة "أوفشور" في بنما لتهريب أموال إلى الخارج وهو ما نفاه مرزوق الذي أكد أنه ليست لديه أي علاقة بالموضوع. ونفس الاتهامات بالفساد المالي لاحقت رئيس حزب الاتحاد الوطني الحرّ سليم الرياحي الذي جُمّدت أمواله وتم تحجير السفر عليه لمدّة ناهزت السنة لهذا السبب.. ولم تتم إلى الآن تبرئته بشكل نهائي من التهم التي لاحقته. الفضائح لاحقت أيضا رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي حيث نشرت مجموعة "أنانيموس" المختصّة في القرصنة الالكترونية مطلع عام 2014 فواتير مسربة من القصر الرئاسي قالت إنها تمثل مصاريف استقبالات باهظة ترتبط باجتماعات حزبية ضيقة للمرزوقي واعتبر ذلك من قبل تبذير المال العام في اجتماعات لا تمت لنشاط الرئاسة بصلة، بينما اعتبر أنصار المرزوقي تلك الادعاءات من قبيل التشويه قبيل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية. .. وللوزراء نصيب من الفضائح كان للوزراء في السنوات التي تلت الثورة في حكومات مختلفة نصيب "وافر" من الفضائح ومن شبهات الفساد المالي، ففي نهاية 2012 اتهمت المدونة التونسية ألفة الرياحي وزير الخارجية رفيق عبد السلام بالفساد. وكشفت عبر وثائق مسربة كيف حوّل رفيق عبد السلام هبة مالية مقدمة من الصين إلى حسابه الخاص بدلا من وضعها في أرصدة الدولة وهو ما خلق موجة انتقادات حادّة في الأوساط السياسية. كما كشفت المدونة عن قضاء رفيق عبد السلام ليلة مع امرأة في فندق "الشيراتون" بالعاصمة قال عبد السلام إنها إحدى قريباته قصدته في الفندق حيث كان يقيم فيه "لحل مشكلة عائلية".. وبعد سنوات انتهت هذه الفضيحة المدوّية إلى "النسيان". ومن بين الوزراء الذين مثلوا أمام القضاء لتعلّق شبهات بهم نجد وزير الاستثمار والمالية بالنيابة السابق فاضل عبد الكافي الذي صدر حكم ضدّه يقضي بتغريمه بخطية مالية وصدور حكم غيابي في حقه وذلك بعد بيع شركة المعني بالأمر، والمتخصصة في الإيجار المالي لمواقع وبرامج إلكترونية، للمغرب بقيمة 250 ألف دينار تونسي ولم يتم إرجاع هذا المبلغ لتونس. وقد نفى الوزير، خلال لقاء صحفي بقصر الحكومة، تورطه في شبهة فساد، وأفاد بأن التحويلات المالية من تونس إلى المغرب تمت بترخيص من البنك المركزي، ولكن ذلك النفي لم يمنعه من تقديم استقالته من الحكومة . ومن الوزراء الذين مثلوا أمام القضاء لسماعهم في قضايا تعلّقت بشبهات فساد نجد مهدي بن غربية الوزير المستقيل مؤخّرا من الحكومة وذلك على خلفية قضية ما يُعرف ب"شحنة فاليو" على متن الخطوط التونسية الجوّية، وكذلك وزير البيئة رياض الموخّر الذي مثل أمام القضاء في القطب القضائي المالي على خلفية الشبهات التي تعلّقت بأحد مستشاريه.. كما استدعى القضاء في وقت سابق وزير أملاك الدولة مبروك كورشيد على خلفية تهم موجّهة له تتعلّق بتعطيل سير العدالة الانتقالية وعرقلة مساعي هيئة الحقيقة والكرامة.. ومن الوزراء الملاحقين أيضا وبتهم خطيرة نجد وزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي الفار من العدالة والذي تعلّقت به تهمة التآمر على أمن الدولة. ومنذ أسابيع قليلة تقدم النائب عن دائرة ألمانيا ياسين العياري، بشكوى ضد مدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي وبقضايا ضد وزراء الخارجية والتربية والشؤون الاجتماعية وسفير تونس السابق في ألمانيا ورئيس بلدية المرسى السابق، وتتعلق أغلب القضايا بملفات فساد وصفقات مشبوهة، وفق تصريحات إعلامية لهذا النائب ذكر فيها أنه في عام 2005 منح جزءا من قطعة الأرض المصادرة إلى مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي، بمبلغ 50 ألف دينار فقط، في حين أن قيمتها تضاهي نحو مليار نظرا لموقعها، حسب تأكيده.