من الواضح أن الحكومة عجزت عن التحكم في عجز الميزان التجاري الذي بلغ مستويات خطيرة جدا خلال الثمانية أشهر الأولى من السنة الجارية هذا في الوقت الذي يعد فيه الضغط على العجز التجاري من أبرز أولويات الحكومة وأيضا أهداف قانون المالية لسنة 2018 كما أنه من أبرز مطالب المؤسسات المالية الدولية المانحة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين شددا على وجوب تحكم تونس في تكلفة الواردات التي باتت حملا ثقيلا على ميزانية الدولة التي تشهد بدورها اتساعا من حيث العجز. فقد أعلن المعهد الوطني للإحصاء عن تفاقم عجز الميزان التجاري إلى أكثر من 12 مليار دينار خلال الثمانية أشهر الأولى من السنة الجارية وتحديدا 12160.5 مليون دينار مقابل 10068.5 م د، خلال نفس الفترة من سنة 2017 أي بزيادة بأكثر من 2 مليار دينار بين 2017 و2018. ووفق ما أبرزته مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء حول المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية لشهر أوت 2018 يعزا عجز الميزان التجاري المسجل على المستوى الجملي للمبادلات إلى العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين الشعبية 3488.2 – م د وإيطاليا 1775.1 – م د وتركيا 1417.4 – م د والجزائر 107.5 – م د وروسيا 824 – م د وتناهز نسبة الزيادة الإجمالية في حجم العجز 21 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية. كل هذا يطرح أكثر من نقطة استفهام حول أسباب تواصل تفاقم العجز بالرغم من ان البنك المركزي كان قد أصدر منذ سنة تقريبا قائمة مفصّلة للمنتجات التي سيتمّ وقف إقراض التجّار لتمويل توريدها والبالغ عددها 220 منتوجا. وذكر البنك المركزي حينها أنّ هذا القرار يهدف لتشديد القيود على واردات الاستهلاك وسعيا لخفض العجز التجاري القياسي بعد قرار سابق برفع الرسوم الجمركية على عدة مواد استهلاكية. كما شدد على أنّ تفاقم عجز الميزان التجاري، دفع إلى تفعيل الاقتراح المنبثق عن المشاورات داخل الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية والذي يجبر الموردين على تقديم ضمان مسبق من أموالهم الذاتية يغطّي قيمة البضائع التي يتمّ توريدها. ومن بين المواد المستوردة المعنيّة بهذا القرار نجد: المياه المعدنيّة، أنواع من النبيذ والجعة، العسل، الشوكلاطة، الرّخام، مواد التجميل، إطارات مطاطيّة، ملابس وأحذية، أثاث، أجبان، غلال... وجميع المواد تقريبا تعد من الكماليات. ورغم هذه القائمة إلا أن السلع بشتى أنواعها مازالت تغرق الاسواق وحتى الفضاءات التجارية الكبرى لا سيما تلك التي تتضمن محلات تخضع لنظام الفرانشيز الذي انجرت عنه تبعات وخيمة على حجم التوريد حتى أن البعض يعده ضربا للاقتصاد في الوقت الذي تعتبر فيه بلادنا من أهم الدول المصنعة في إفريقيا لعدد كبير من المنتجات كالملابس الجاهزة والأحذية والجلود بأنواعها وخاصة المواد الغذائية. ويطرح اتساع العجز مع كل من الصين وتركيا في كل سنة عديد التساؤلات حول الجدوى الاقتصادية للمواد الموردة لا سيما وأننا لا نورد من هذين البلدين سوى المواد المصنعة على غرار الملابس.. ما نتج عنه تفاقما للعجز التجاري بين 2017 و2018 بأكثر من 2 مليار دينار كما ارتفع بين2016 و2018 بأكثر من 4 مليار دينار وبين 2015 و 2018 بحوالي ال5 مليار دينار وهو ما يحتم اتخاذ جملة من الإجراءات الحمائية العاجلة للحد من نزيف التوريد الذي أثقل كاهل ميزانية الدولة وتسبب في اختلال غير مسبوق للمالية العمومية.