*بعض الكتاب يبالغون في التمعش من الكتابة عن المسكوت عنه تونس – الصباح افتتح بيت الرواية بمدينة الثقافة ظهر الاربعاء موسمه الثقافي الجديد باللقاءات الخاصة بالروائيين التونسيين بلقاء مع الروائية والناقدة السينمائية التونسية هند الزيادي التي تحدثت عن كتابة المسكوت عنه انطلاقا من روايتها "الصمت سكيزوفرينيا "بعد ان عبرت عن سعادتها بحضورها في بيت الرواية وبالفرصة التي منحت لها للتعريف بنفسها ككاتبة تلفت كل كتاباتها الانتباه وتغري شركات الانتاج بشرائها لتحويلها لأفلام سينمائية او مسلسلات درامية.. وقالت ان دعوة "بيت الرواية" لها لتقديم كتاباتها التي تم تصنيفها ضمن المحظورات في عدد من دول العالم العربية هي دليل نجاح، وتعزيز للقيمة التي تعطيها تونس للمبدعين والمثقفين باختلاف درجاتهم واختصاصاتهم. الكاتبة هند الزيادي استاذة تعليم ثانوي متحصلة على الإجازة في الأدب العربي وعلى الماجستير في الفنون المرئية، تعشق مهنة التدريس وتعلم تلاميذها اسلوب الحوار الراقي وحسن الانصات للآخر وتبادل الافكار والاعتزاز بالذات والتصرف على اساس انهم جديرون بالاحترام مهما كانت افكارهم واوضاعهم. صدرت لها رواية "الصمت" في موسم 2008 / 2009 وطبعت مرة ثانية سنة 2018 ورواية "لافايات" سنة 2016 ولها مخطوطات جاهزة للنشر وهي روايات " ممر آمن" و"السجينة" ومجموعة قصصية عنوانها "غرفة الاكاذيب" أفضل وسيلة للتغلب على الأوجاع هي مواجهتها انطلقت الجلسة بمجموعة من الاسئلة مثل لماذا الصمت؟ ولماذا يعتبر الخوض في قضايا نعايشها يوميا محرما؟ هل هو الخوف من التطبيع معها وهل يعود هذا التحريم إلى ذهنية التحريم الديني أو إلى العادات والأعراف الاجتماعية؟ وكيف يمكن للرواية أن تتخطّى الأقنعة وتهدم الصمت بمطارق الإبداع؟ هذه الاسئلة مهّدت السبيل امام ضيفة بيت الرواية لتتحدث عن تجربتها الابداعية وعن آرائها و قناعاتها بكل طلاقة وثقة في النفس وعن روايتها "الصمت" التي تطرقت فيها إلى التأثير السيئ لزنا المحارم على النفس والذي عادة ما تكون اضراره متفاوتة على الصّعيد النفسي والمجتمعي من حالة الى اخرى وان كانت كل المتضررات مطالبات بالصمت والتكتم مهما كانت درجة وفظاعة الاعتداء الذي تتعرضن له من الاخ والأب والخال والعم. في رواية "الصمت" كتبت هند عن طبيبة نفسية تكتشف تقصيرها في معالجة قضايا سفاح القربى وهذا الفشل والتقصير جعلها ترتد الى ذاتها لمعالجة ما حصل لها في طفولتها وعلاقتها المتوترة وغير السوية مع جسدها. وقد ارادتها رواية بناء الذات المحطمة اثر اعتداء غاشم، عالجت بين سطورها حالتين انسانيتين تعرضتا لنفس الالم واختارت كل منهما ان تعالج المها بطريقة معينة الاولى انتحرت بسبب معاناتها من احتقارها لذاتها واختارت الثانية أن تقاوم بالفنّ والثقافة لتعيد اكتشاف جسدها وتتعلّم أن تحبّه وتحترمه لتواصل العيش بطريقة سويّة متوازنة. حب الذات وتقبلها والقطع مع الاستسلام والتقوقع داخل الوجع ولعل نجاح هند الزيادي في التطرق الى هذا الموضوع يعود الى تلك السنوات التي تطوعت فيها للعمل صلب جمعية تعتني بالصحة النفسية للام والأسرة وتساعد في تشخيص مشاكل العائلة وعلاجها على الاطلاع على الامراض النفسية وعلى اعراضها وأساليب علاجها ولعل حضورها في خلايا الانصات ساعدها على كتابة روايتها هذه، حيث اكتشفت بان الواقع اشد تعقيدا من الشعارات التي ترفع هنا وهناك وتأكدت من ان الواقع الرديء لا يغير بالقوانين فقط وإنما ايضا بالعمل الميداني الدؤوب وبالفنون بكل اشكالها. ولعل الاقتراب من الواقع ومن الحالة النفسية للمتضررات هي التي دفعتها الى توجيه رسالة مهمة في روايتها هذه الي القارئ تدعوه فيها لان لا يبقى حبيس ألم الماضي وأن يشق طريقه نحو مستقبل أفضل من واقعه، لأن أفضل وسيلة للتغلب على الأوجاع هي مواجهتها وحب الذات وتقبلها والقطع مع الاستسلام والتقوقع داخل الوجع. كانت الجلسة حسب ما صرحت به الكاتبة هند الزيادي ناجحة بكل المقاييس لأنها وكل الحاضرين استمعوا خلالها الى صوت الروائي والسارد والى صوت الناقد وقالت لجريدة "الصباح":" ان مثل هذه الجلسات لا يمكن إلا ان ترتقي بالإبداع التونسي سواء كان رواية او نقدا فكلاهما يستفيد من الآخر". استغلال المسكوت عنه بأنانية للظهور والشهرة وإجابة عن سؤال"الصباح" في خصوص سوء استعمال المسكوت عنه والتمعش منه في روايات بعض الكتاب والكاتبات الباحثات عن الشهرة والدعوات الى الخارج قالت الكاتبة:"ان الكتابة عن المسكوت عنه نوعان النوع الاول عندما يحس الكاتب بالمسؤولية ويكون صاحب رسالة وصوتا من اصوات مجتمعه فيعبر عن هموم المجموعة وقضاياها وهذا هو الكاتب الذي يحقق الرقي في معالجة الخطايا دون ان يسقط في البعد الاخلاقوي. وهناك نوع آخر من الكتاب عن المسكوت عنه تحركهم الانانية ولا يستطيعون تجاوز رغبتهم في البروز فتراهم يستغلون المناطق الحساسة ليدغدغوا جيوب وعقد وغرائز المتلقي من اجل الظهور وتحقيق الربح بأنواعه وعلى الكاتب ان يختار اما ان يكون صاحب رسالة او تاجرا. " كانت هند سعيدة باللقاء فخورة ببيت الرواية وبمن حضروا فيه وناقشوها وحققت خلاله ما رسمته عندما استجابت لدعوة مدير بيت الرواية كمال الرياحي الذي منعته ظروف صحية من حضور اللقاء فقد ارادت ان تقول انها موجودة رغم التعتيم وان كتاباتها تلفت الانتباه وان تساهم في تحريك البرك الساكنة وان تطرح القضايا المتعلقة بتعاملنا مع الجسد لتقول لو كنا مرتاحين في علاقتنا بأجسادنا وكنا اسوياء لتجنبنا الكثير من الشرور والمآسي ..وتمكنت من طرح رؤيتها للقضايا الفنية والتقنية المتعلقة بالكتابة كما تحدثت عن تلاقح الفنون وتراشحها وتداخل الاجناس في كتابة الرواية. كان من بين الحاضرين في الجلسة الناقد نور الدين الخبثاني الذي رأى انه من الجيد والطريف طرح قضية المسكوت عنه والدفاع عن الجسد الذي تعنفه الثقافة بكل ما لديها من آليات عائلية ونفسية واجتماعية وغيرها.. ورأى ان مستوى النقاش كان عاليا من حيث تناول مفاهيم الجسد والثقافة والسياسة وفنون الكتابة لدى هند الزيادي التي تمكنت من المزج الجيد بين الفنون المختلفة من رواية ومسرح وسينما بأسلوب يعتمد على تعدد الاصوات والمفاجاة في النقلة السردية.