هناك بون شاسع بين المكاسب التي جاء بها القانون الأساسي المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة الذي يعتبر من أفضل التشريعات على المستوى العالمي، وبين ما هو موجود على مستوى الممارسة، فالإدارة العميقة في تونس لا تحب الشفافية وهي تقاوم بكل قواها رياح التغيير وتريد أن تبقي على معلوماتها مخفية في العتمة.. هذا أبرز ما أشار إليه أغلب المشاركين في ملتقى عقدته منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة أمس بالعاصمة بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحق النفاذ إلى المعلومة، وبينوا أن الإرادة السياسية لتطبيق القانون مفقودة، واقتصرت على الخطابات الرنانة عوضا عن إصدار الأوامر الترتيبية، وعن إلزام الإدارات والوزارات والهياكل العمومية باحترام واجب النشر التلقائي للمعطيات. معز شقشوق المدير العام المساعد لمنظمة اليونسكو بين أن النفاذ الى المعلومة مهم لإرساء الشفافية والحوكمة وذكر أن اليونسكو تولي أهمية كبيرة لحرية الإعلام وحرية الصحافة، وأضاف أن هناك حاجة ملحة إلى النفاذ الى المعلومة نظرا لأهمية المعلومة بالنسبة للعموم. وأكد شقشوق أن اليونسكو نظمت أنشطة تحسيسية حول أهمية النفاذ الى المعلومة في المؤسسات العمومية في تونس وقال انه تم التنصيص على حق النفاذ إلى المعلومة في الدستور وتنزيلها في القوانين وهو ما شأنه ان يساعد على إرساء هيئات عامة مستقلة تدعم حق النفاذ الى المعلومة. وذكر المدير العام المساعد لمنظمة اليونسكو أن القانون المتعلق بالنفاذ الى المعلومة مهم للغاية لكن لا بد من بذل جهود إضافية لتكوين الفاعلين الأساسيين من اجل إرساء ثقافة النفاذ الى المعلومة على مستوى الممارسة الفعلية. فشبكة الانترنيت تتيح العديد من الحلول، وأشار الى أن اليونسكو ملتزمة بمواصلة الدعم الذي تقدمه من اجل تنفيذ القانون، وعبر عن أمله في ان تكون تونس داعمة لهذا الاتجاه. أما ألفة الصولي ممثلة رئاسة الحكومة فأكدت على دور الإدارة في تركيز الحق الأساسي في النفاذ للمعلومة وبينت ان القانون التونسي متميز من حيث ترتيبه على المستوى العالمي لكن التطبيق أهم لديها من الترتيب الجيد. وذكرت أن الحكومة لديها خطة عمل تقوم على عدة محاور تم إعدادها في إطار التشاركية وتم تنظيم عدة اجتماعات بالمكلفين بالنفاذ، لأن المنشور الصادر عن الحكومة أكد على أهمية النشر التلقائي للمعلومة في الشكل الالكتروني والشكل القابل للاستعمال وتم التأكيد على تلقي طلبات النفاذ وعلى احترام آجال الإجابة وعلى محدودية نطاق الاستثناءات في النفاذ للمعلومة، كما تم التأكيد في المنشور على خطة المكلف بالمعلومة ودوره، وقالت ان اغلب المكلفين بالنفاذ الى المعلومة يتلقون دورات تكوينية وتم إعداد دليل مبسط يسهل عليهم مهامهم. وفي ما يتعلق بضبط معاليم النفاذ الى المعلومة قالت ممثلة رئاسة الحكومة انه تم التنسيق مع وزارة المالية في هذا الشأن وعبرت عن أملها في ان يقع تضمينها في قانون المالية لسنة 2019. إما المعلومة وإما الإشاعة أشار النوري اللجمي رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الى أن الهيئة مدعوة للدفاع عن حرية التعبير والصحافة لكن لا يمكن ضمان هذه الحرية دون النفاذ الى المعلومة. وذكر ان تونس تعيش سيلا من «الفيك نيوز» والإشاعات ولتجنب الأخبار الزائفة لا بد من توفير المعلومة. وقال ان اهم التحديات المطروحة في تونس تتمثل في توفير الدعامة القانونية للنفاذ الى المعلومة، والهيئات المستقلة بإمكانها ان تساهم في ذلك من خلال إعطاء المثل ونشر المعلومات وتوفيرها للعموم وذلك طبعا في إطار احترام المعطيات الشخصية. وذكر اللجمي أن النفاذ الى المعلومة ليس حقا فقط بل هو وسيلة للارتقاء بمستوى الإعلام في تونس، ودعا الصحفيين الى التقدم بمطالب النفاذ الى المعلومة وذلك لمحاربة ثقافة حجب المعلومة ولترسيخ أسس الدولة الديمقراطية. محاربة الفساد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قال انه لا يمكن محاربة الفساد دون تكريس الحق الدستوري في النفاذ الى المعلومة، وأضاف ان كل الهيئات تعاني تقريبا من نفس الإشكاليات انطلاقا من عدم استكمال الإطار التشريعي وإصدار النصوص التطبيقية للقوانين، وصولا الى الإدارة العميقة التي لم تفهم بعد ان هناك ثورة حصلت في البلاد وهناك دستور جاء بهيئات مستقلة ومنحها صلاحيات كثيرة. ونبه الطبيب من وجود التفاف على القوانين، فتقارير الهيئات الرقابية ورغم ما تحتويه من شبهات فساد لا يقع نشرها لتعلات واهية. وأضاف العميد ان الهيئة تريد أن يقع تطوير الصحافة الاستقصائية التي تمكن من كشف الفساد وللغرض وقعت على مع نقابة الصحفيين على اتفاقية، لكن هناك من ينتحل صفة الصحفي الاستقصائي ليبتز رجال الأعمال، وبين انه عادة ما يعاب على الهيئة عدم كشف أسماء الفاسدين لكن يغيب عليهم ان القانون المنظم لها يمنع عليها التشهير وكشف الأسماء وخرق واجب التحفظ عكس الصحافة الاستقصائية. وأضاف ان الإدارة السياسية التي تقتصر على الخطاب لا جدوى منها. وقال انه يعتبر الإدارة التونسية من اكبر مكاسب الدولة لكن هناك مسؤولين فيها يتحفظون على المعلومة وحان الوقت لكي يقتنعوا بوجود سياق عالمي يقوم على الانفتاح والشفافية والحوكمة الرشيدة. تعتيم فتحي جراي رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بين أن الهيئة لا تختلف في تشخيص الواقع على بقية الهيئات الأخرى فهي أول هيئة وقائية وطنية أنشئت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وستصبح في بضع سنوات عميدة الهيئات العربية وهي تستعد لنشر تقريرها الأول. وقال ان الإدارة العميقة مازالت تقاوم التغيير ومازالت البيروقراطية تحول دون النفاذ الى المعلومة، فقانون الهيئة يجعلها تتعاطى مع عشر وزارات وهناك وزارة راسلتها الهيئة منذ فيفري الماضي للحصول على معطيات حول أماكن الاحتجاز لكنها لم تجب وقامت الهيئة بتذكيرها بالطلب وبعد طول انتظار جاء الرد وقالت فيه الوزارة المعنية انه لا يوجد لديها أماكن احتجاز وهذا ليس صحيحا، كما ان الكثير من الأماكن التي تزورها الهيئة لا تحصل على خارطة الموقع فالقائمين عليه يرفضون مدها بالخارطة. المعطيات الشخصية شوقي قداس رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية قال انه من اشد المدافعين على حق النفاذ إلى المعلومة، ويعتبر النص القانوني المتعلق بالنفاذ الى المعلومة من أحسن النصوص في العالم. ونص هذا القانون في الفصل 24 على انه لا يمكن للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة إلا إذا كان ذلك يؤدّي إلى إلحاق ضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية، ورغم ان الفصل 27 يقول ان الوثيقة عندما يكون فيها معطى شخصي يحجب ذلك المعطى وتسلم الوثيقة فان هيئة حماية المعطيات الشخصية لم تطلب تطبيقه. وبين ان هيئة النفاذ إلى المعلومة من حقها معاقبة أي هيكل يتخفى وراء المعطيات الشخصية لذلك من الأفضل ان يكون هناك مجلس مشترك بين حق النفاذ الى المعلومة وحماية المعطيات الشخصية. وقال كريم بلحاج عيسى ممثل المادة 19 ان تونس تعيش ثورة على ثقافة التعتيم، وبين انه لا بد من وضع إستراتيجية وطنية لتنفيذ حق النفاذ لمعلومة حتى لا يبق القانون حبرا على ورق. الحكومة المفتوحة تحدثت ريم قرناوي ممثلة الإدارة الالكترونية برئاسة الحكومة عن حق النفاذ للمعلومة وعن فتح البيانات العمومية وقالت انها من الركائز الأساسية لبرنامج شراكة الحكومة المفتوحة، وعن سؤال طرحه احد المشاركين أجابت انه لم يقع رصد ميزانية خاصة بالحكومة المفتوحة. ◗ سعيدة بوهلال رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة: التعتيم على المعلومة ثقافة راسخة يجب محاربتها بين عماد الحزقي رئيس الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة أن الاحتفال باليوم العالمي للنفاذ الى المعلومة يتزامن مع بداية ممارسة الهيئة للمهام المناطة بعهدتها. فعلى مستوى البت في دعاوى رفض النفاذ الى المعلومة فإنها تلقت ثلاثمائة وخمسين ملفا وبتت في 330 منها، أما على مستوى دورها الرقابي لمدى التزام الهياكل المعنية بقانون النفاذ الى المعلومة فقد انطلقت في تنفيذ برنامج توعوي يرمي الى نشر ثقافة النفاذ الى المعلومة وثقافة الشفافية. وأضاف الحزقي أمس خلال اللقاء الذي عقدته منظمة اليونسكو بالعاصمة في إطار إحياء اليوم العالمي للنفاذ الى المعلومة أن القانون المتعلق بالنفاذ للمعلومة يعتبر من أفضل التشريعات، والى جانب القانون فقد انضمت تونس الى شراكة الحكومة المفتوحة، لكن رغم هذه المكاسب هناك العديد من التحديات والصعوبات التي تحول دون تفعيل القانون بالكيفية المثلى.. بعض هذه التحديات على حد تعبيره، متصل بالموروث السياسي القائم على ثقافة الحجب والتعتيم والبعض الآخر تشريعي نظرا للتباطؤ في إصدار النصوص التطبيقية اللازمة على غرار الأمر الذي نص عليه الفصل 33 من القانون الأساسي المتعلق بالنفاذ إلى المعلومة والذي يضبط شروط إحداث هيكل داخلي فهذا الأمر لا بد من إصداره من اجل تنظيم ممارسة نشاط النفاذ الى المعلومة صلب الهياكل العمومية وتحفيز المكلفين بالنفاذ الى المعلومة.. وأضاف رئيس الهيئة: «هناك تحديات قانونية أخرى متأتية من عدم انسجام بعض مشاريع القوانين الجديدة مع مقتضيات حق النفاذ الى المعلومة، وتحديات تتعلق بتوفير الإطار البشري اللازم وتكوينه وتوفير التجهيزات التي تسمح بالنشر، فهناك بلديات صغيرة مثل الزريبة وبوعرادة والسبيخة والوسلاتية وشنني لديها مواقع واب وتقوم بمجهود كبير لنشر المعلومات في حين هناك ولايات مثل بنزرت وقفصة وأريانة ومنوبة ليس لها بعد مواقع واب، فالنشر التلقائي للمعلومة يتم حتما عبر مواقع الواب».. ومن المشاكل الأخرى التي أثارها رئيس الهيئة، تلك المرتبطة برقمنة الوثائق والتصرف في الأرشيف وغياب التصنيف العلمي للوثائق وحتى المكلف بالنفاذ للمعلومة يجد صعوبة في الحصول على المعلومة، ويرى الحزقي أن تجاوز هذه التحديات ممكن في صورة تظافر الجهود وتوفير جملة من الشروط أهمها وجود إرادة سياسية واضحة للانخراط في جهود النفاذ الى المعلومة والشفافية والحوكمة وفسر أن الإرادة السياسية يجب الا تبق في مستوى الخطاب بل يجب ان تتجلى في توفير ما يلزم للمؤسسات حتى تتمكن من تطبيق القانون، وهذا يستوجب بالضرورة إصدار النصوص الترتيبية وانخراط الموارد البشرية .. وخلص الحزقي إلى أن المجتمع المدني يقوم بدور كبير على مستوى ممارسة حق النفاذ الى المعلومة وعلى مستوى النشر لكن لا بد من انخراط الصحفيين بقوة في هذا المسار، وبين أنه من بين الثلاثمائة وخمسين دعوى هناك اثنان فقط مقدمان من الصحفيين. ◗ بوهلال نقيب الصحفيين ناجي البغوري: لا توجد إرادة سياسية لإرساء الشفافية تفاعلا مع عماد الحزقي رئيس الهيئة الوطنية للنفاذ الى المعلومة فسر ناجي البغوري رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سبب عدم ممارسة الصحفيين لحقهم في التظلم لدى الهيئة من تعتيم الوزارات والإدارات على المعلومة، بالإشارة الى نتائج استبيان أنجزه المكتب التنفيذي للنقابة. وتشير هذه النتائج الى ان خمسين بالمائة من المشاركين في الاستبيان يعزون ذلك لتشعب إجراءات النفاذ وطول الآجال، في حين يرى 30 بالمائة منهم أنهم يريدون الحصول على المعلومة بصفة حينية وكشف الاستبيان أيضا ان هناك 12 بالمائة من الصحفيين المشاركين فيه ليس لديهم علما بوجود قانون النفاذ للمعلومة. وبين البغوري أن هذا القانون يعتبر من أهم الإصلاحات التي حدثت منذ الثورة، ورغم المشاكل السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد ورغم الآمال التي تحطمت فان سفينة الانتقال الديمقراطي التي انطلقت مازالت تبحر بفضل الهيئات المستقلة والمجتمع المدني . وقال نقيب الصحفيين انه لا توجد إرادة سياسية لتفعيل الإصلاح وإرساء دعائم الشفافية وتطبيق ما جاء في الدستور والقانون، فقانون النفاذ إلى المعلومة يؤكد على النشر التلقائي للمعلومة لكن عند تصفح المواقع لا يمكن العثور على المعلومة، وبين انه في بلدان متقدمة تحترم مبادئ الشفافية ونشر المعلومات أصبح هناك ما يسمى بصحافة «البيجما» بمعنى أن الصحفي عندما يستيقظ صباحا ويفتح حاسبوه وهو في فراشه يعثر على كل المعلومات والتقارير والبيانات التي تمكنه من كتابه مقاله وهو على سريره لكن الصحفي في تونس يجد صعوبة في الحصول على أبسط المعلومات، وأكد البغوري على وجوب مواصلة النضال لضمان تطبيق القانون فعليا ودعا الصحفيين الى المشاركة في معركة السعي للنفاذ للمعلومة ومحاربة العقلية القديمة القائمة على التعتيم، وخلص الى ان مكافحة الفساد غير ممكنة في صورة عدم توفر المعلومة وبين انه لا يوجد خيار ثالث امام هياكل الدولة فإما توفير المعلومة الدقيقة او الإشاعة ونبه الى ان لوبيات المال ولوبيات النهضة والنداء ليس من مصلحتها ان تكون هناك في البلاد صحافة ذات جودة ومصداقية تكشف التجاوزات وتعري الفساد وفي هذا السياق تأتي محاولات ضرب الهيئات فلا رئيس الجمهورية يريدها ولا الحكومة ولا الأحزاب السياسية.
