تفاجأ التونسيون منذ أيام قليلة بالترفيع في سعر البيض الذي وصل بين ليلة وضحاها إلى 900 مليم وفي بعض الأماكن إلى 950 مليما، هذا الترفيع في الأسعار لم يشمل البيض فحسب وإنما أيضا بعض المواد الأخرى كالمصبرات مثل الطماطم والهريسة وغيرها إلى جانب مواد التنظيف. حالة من الاستياء وموجة من التساؤلات التي لم يجد لها المواطن العادي إجابات مقنعة ومبرّرة في ظلّ تدهور مقدرته الشرائية وانسداد الأفق أمامه وغياب الحلول الجذرية والواقعية، فحتى أبسط المقتنيات التي تعوّد عليها لم يعد في مقدوره شراؤها. لم يعد هناك حديث اليوم إلا عن الأسعار وعن قفّة التونسي وعن تدهور مقدرته الشرائية في مقابل صمت الأحزاب ومختلف مكونات المجتمع والخبراء خلافا لما كان عليه الوضع في عهد الترويكا. صمت جميعهم فجأة ولم تعد منابر الإعلام وجهتهم للتنديد وتأليب الشارع. هذا الترفيع في الأسعار من سنة إلى أخرى ومن شهر إلى آخر ويوما بعد يوم أدى إلى نتيجة حتمية وهي ارتفاع تكلفة العيش في تونس مقابل استقرار الدخل لدى التونسيين وتدهور قيمة الدينار وبالتالي تدهور مقدرتهم الشرائية وارتفاع نسبة التضخم. موقع Numbeo.com الذي أحدث سنة 2009 ويهتم بالشأن البيئي والمناخي والاقتصادي ومستوى الجريمة وغيرها من الظواهر الاجتماعية في الدول، نشر على موقعه بداية شهر أكتوبر الجاري نتائج مسح شمل 1238 مشاركا على مدى 18 شهرا حول تكلفة العيش في الشهر في تونس. نتائج المسح صادمة حول تكلفة العيش في تونس، فبالنسبة لعائلة متكونة من 4 أفراد تتكلف المعيشة في الشهر دون احتساب مبلغ الكراء حوالي 3.2 ألف دينار (3.189.95 دينار) وبالنسبة للشخص الواحد كلفة العيش في الشهر تبلغ 908.33 دينار أي حوالي مليون. تعمقت نتائج موقع Numbeo.com لتشمل أيضا تكلفة الأكل في المطاعم وسعر الأطباق والتسوق والمنتوجات من غلال ومواد غذائية ومشروبات وأيضا تكلفة الأكل في الشارع والتنقل وأيضا فاتورات الكهرباء والغاز والماء وأيضا تكلفة الاتصالات إلى جانب تكلفة اكتراء المنازل وتكلفة الترفيه في الشهر. وكشف المسح أن تكلفة الأكل في اليوم لطبق من اللحوم في مطعم عادي أو ما يعبر عنه بالمطعم الشعبي تبلغ 5 دنانير و500 مليم أما تكلفة وجبة لشخصين في مطعم متوسط المستوى وتضمّ ثلاثة أصناف تبلغ تكلفتها 40 دينارا. أما تكلفة التنقل للشخص الواحد خلال شهر حُدّدت ب30 دينارا، في المقابل تبلغ الكلفة الأساسية للكهرباء والتدفئة والتبريد والماء والقمامة لشقة مساحتها 85 مترا مربعا 108.36 دينار في الشهر. كما حددت الدراسة المذكورة سعر الدقيقة الواحد لاتصالات المحمول ب150 مليما، فيما تبلغ تكلفة استعمال الانترنت 48.89 دينار. أما في ما يهمّ الدراسة تبلغ كلفة ما قبل مرحلة التحضيري أي رياض الأطفال للشخص الواحد 196 دينارا في الشهر. في ذات السياق تختلف كلفة الكراء في تونس في الشهر الواحد وفق المشاركين في المسح حسب حجم الشقة ومكانها، ففي تونس العاصمة شقة متكونة من غرفة واحدة تبلغ تكلفتها 545.840 دينارا، أما في أحواز العاصمة تكلفة مثل هذه الشقة تبلغ 420 دينارا. أما الشقق ذات ثلاث غرف فسعر كراء الواحدة بالعاصمة يبلغ 984.21 وخارجها 735.88 دينار. وبالنسبة لشراء الشقق فإن سعر المتر المربع الواحد في تونس العاصمة يٌعدّ حوالي 2.155 ألف دينار وخارج العاصمة يبلغ حوالي 1.505 دينار مقابل 741.67 دينار متوسط الدخل الشهري للشخص الواحد. تعليقا على هذه الأرقام، أوضح سليم سعد الله رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك في تصريح ل»الصباح الأسبوعي» أنّه «كمنظمة مهامها الدفاع عن المستهلك ومتابعة الأسعار ورصد التجاوزات، ولا يمكن بالتالي قراءة الأرقام المتعلقة بتكلفة العيش في تونس». في هذا السياق وتوضيحا لما جاء من أرقام نشرت على الموقع المذكور قال مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية ل»الصباح الأسبوعي» إنّ «كلفة العيش البالغة ل3 ملايين مبلغ غير صحيح ومبالغ فيه، فالمعدل السنوي للإنفاق لكلّ أسرة متكونة من أربعة أشخاص هو 15.6 ألف دينار أي ما يعادل 1.3 ألف دينار في الشهر». وأضاف بن جازية أن «احتساب مثل هذه المعدلات بالنسبة لهذه المواقع يكون موجها للأشخاص من خارج الوطن الذين يرغبون في التنقل والعيش بتونس، وبالتالي يتم التطرق إلى مستوى وتكلفة الكراء وغيرها من المسائل تحّدد تكلفة المعيشة وهي ما تتحسب عادة حسب مستوى العيش في تونس العاصمة». إلا أنّ هذا التوجه الذي أوضحه مدير المعهد الوطني للاستهلاك يتناقض مع ما صرّح به الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون ل»الصباح الأسبوعي» الذي أفاد أنّه غير متفاجئ بالرقم الذي ورد بالموقع والذي حدّد تكلفة العيش لأسرة متكونة من أربع أشخاص يفوق 3 آلاف دينار في الشهر. فقال جبنون إنّ «هذا الرقم ليس بالغريب باعتبار ان المسألة واردة لتدهور الدينار التونسي أمام العملات الرئيسية خاصة الأورو أتى بنسبة هامة من التضخم المورد الذي زيادات في كلّ شيء بنفس نسبة الانحدار أمام هذه العملة التي بلغت في سنتي 40 % وخلال ثلاث سنوات 60 % وأمام الدولار بلغ النسبة 134 % على مدى عشر سنوات، فكل هذا الانحدار ينعكس على نسبة التضخم وكلفة المعيشة». وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ «كلفة المعيشة لا تعني فقط نسبة التضخم التي يصدرها المعهد الوطني للإحصاء التي تعد المعدل. فداخل المدن ترتفع المعيشة فمثلا كلفة السيارات ترتفع إلى ما بين 15 و20 %». ملخصا المسألة كما بيّن محدثنا أن «مثل هذه الإحصائيات لديها جزء من المصداقية لأنّ التونسي يتسلم دخله الشهري بالدينار التونسي ولكن يستهلك ويصرف بالعملة الأوروبية وخاصة الأورو». وأكّد محمد الصادق جبنون أنّ «كلفة المعيشة منهارة في تونس علما وأن معدل الأجور هو 285 دولارا وهو الأضعف في العالم العربي، وبالتالي هذا التدهور له علاقة مباشرة بضعف الاقتصاد التونسي الذي يعود بدوره إلى ضعف هيكلته الملموسة وليس ضعفا نظريا بل يعيشه المواطن ويلتمسه كلّ يوم في كلفة الكراء والصحة والتعليم والنقل، لهذا قلنا إن الاقتصاد التونسي هو اقتصاد يقوم على الاستهلاك والتوريد والندرة وليس استهلاكا يقوم على الإنتاج والوفرة والمنافسة النزيهة حينها ستكون كلفة الحياة مقبولة». وبالتالي اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون أنها مسألة عادية أن تصل تكلفة العيش في الشهر الواحد بالنسبة لعائلة متكونة من أربعة أفراد إلى ثلاثة آلاف دينار خاصة في المدن الكبرى. ◗ إيمان عبد اللطيف خلال شهر سبتمبر 2018: ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك بنسبة 0,5 % وفق آخر معطيات المعهد الوطني للإحصاء شهد مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعا بنسبة 0,5 % خلال شهر سبتمبر 2018 مقارنة بشهر أوت 2018 بعد أن كانت هذه النسبة في حدود 0,3 % خلال الشهر الفارط و0,6 % خلال الشهر الذي يسبقه. ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع مواد وخدمات النقل بنسبة 1,2 % نتيجة مراجعة أسعار المحروقات وكذلك أسعار مواد وخدمات مجموعة التعليم التي سجلت ارتفاعا بنسبة 4,9 %. كما سجلت نسبة التضخم عند الاستهلاك تراجعا الى حدود 7,4 % بعد الاستقرار الذي شهدته طيلة الشهرين السابقين وذلك في حدود 7,5 %. وشهدت نسبة التضخم خلال السنة الحالية نسقا تصاعديا من 6,9 % خلال شهر جانفي 2018 الى 7,8 % خلال شهر جوان، تلاه استقرار في حدود 7,5 % خلال الشهرين المنقضيين. ويعود هذا التراجع في نسبة التضخم خلال هذا الشهر رغم الارتفاع الهام في أسعار العديد من المواد إلى التراجع المسجل في نسق ارتفاع أسعار مؤشر مجموعة التغذية والمشروبات بين شهري سبتمبر وأوت من السنة الحالية، مقارنة بالسنة المنقضية (0,2 %مقابل 1.2 %).