بعد نحو 24 ساعة عن البيان الفضيحة لنداء تونس والذي «انتحل» فيه الحزب «صفة رئاسة الجمهورية» وتبنيه لخيار انهاء التوافق مع حركة النهضة، عاد حزب رئيس الجمهورية للبحث عن علاقات محتملة وجديدة مع «الإخوة الأعداء» في محاولة لرأب الصدع وإعادة الامور إلى نصابها. فقد نقلت الصفحة الرسمية لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أنه التقى صباح أمس بمقر سكناه بالعاصمة برئيس لجنة اعداد مؤتمر «النداء» رضا شرف الدين، ليتواصل اللقاء بينهما أكثر من ساعتين. ولَم تبح حركة النهضة بفحوى اللقاء، لتكتفي ببلاغ جاء فيه «استقبل الأستاذ راشد الغنوشي صبيحة اليوم النائب عن نداء تونس ورئيس النجم الرياضي الساحلي السيد رضا شرف الدين، تناول اللقاء آخر مستجدات الأوضاع على الساحة الوطنية وحضر اللقاء عضو مجلس الشورى السيد محمد الشملي». زيارة شرف الدين بوصفه قياديا في «نداء تونس» تتضمن أكثر من إشارة ومعنى، حيث أنها قد تحمل رسائل لانفراج في العلاقة بين طرفي الحكم. فالنائب رضا شرف الدين لم يكن في لقاء مجاملة للغنوشي، وهو المعروف بأنه بات يمثل أحد أهم أذرع المدير التنفيذي لنداء تونس. وقد كان ضمن الوفد الذي التقى الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في آخر لقاء بينه وبين حافظ قائد السبسي لتقرير مصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وخاصة فيما يتعلق بتفعيل النقطة 66 المثيرة للجدل والقاضية بإسقاط الحكومة وتعويضها بأخرى. وفِي الواقع لم يكن لرضا شرف الدين النائب عن جهة سوسة اَي حضور سياسي أو حتى برلماني حيث أنه النائب الأكثر غيابا عن الجلسات العامة للبرلمان وعن أشغال اللجان بمجلس نواب الشعب، وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما حقيقة الزيارة وأي شخصية كان يمثلها شرف الدين اثناء لقائه راشد الغنوشي؟ ولماذا لم تنشر حركة النهضة شيئا عن اللقاء الذي جمع راشد الغنوشي بالنائب الصحبي بن فرج في حين اكتفت بالاشارة إلى لقائه مع شرف الدين؟ من الواضح ان حضور شرف الدين لدى الغنوشي ليس بالقرار الأحادي أو الفردي الذي يمكن ان يتخذه هذا النائب، فانتماؤه لشق العائلة بحزب نداء تونس يقدم فكرة أساسية مفادها ان ضيف زعيم حركة النهضة قد حمل رسالة خاصة من المدير التنفيذي للغنوشي، والأكيد أن مضامينها تتعلق بإعادة صياغة العلاقة على قاعدة التوافق شرط أن ترفع حركة النهضة يدها عن يوسف الشاهد، وهو ما يسعى النداء لتحقيقه منذ ما يزيد عن 6 أشهر، وما رفضته حركة النهضة وعبر عنه الاجتماع الاخير لمجلس شورتها حيث اكد على انتهاج التوافق مع رئيس الجمهورية وبناء شراكة مع رئيس الحكومة. وما يؤكد ودية اللقاء بين الغنوشي وشرف الدين هو مكان انعقاده بالتحديد، فقد استقبل رئيس حركة النهضة ضيفه بمنزله وليس بمكتبه الكائن بمونبليزير، وإذا ما كان حديث الطرفين عن اهمية التوافق لضمان الاستقرار فان ذلك يكشف أمامنا ان عنصرا خلافيا طارئا داخل النداء قد يساهم بشكل مباشر في تقسيم ما تبقى من الحزب المقسوم أصلا، رأي قد يجد ما يبرره سيما وأن الندائين - أو ما تبقى منهم - ليسوا متفقين تماما على إنهاء التوافق بسبب الخلاف الحاصل بين النداء والنهضة حول إبقاء الشاهد أو الإطاحة به. قد يكون شرف الدين وسيطا بين حافظ والغنوشي اللذين انقطعت العلاقة بينهما منذ ما يزيد عن الثلاثة أشهر، وقد يكون ايضا شرف الدين ممثلا عن الندائيين المتمسكين بالتوافق مع الحركة بعد ان فشل النداء في المحافظة على الحزب وكتلته ورئاسته للحكومة، حيث يدرك جانب هام من الندائيين ان انهاء التوافق بشكل صريح يعني بالضرورة نهاية تجربة النداء الذي مازال يعيش تحت وقع نزيف الاستقالات وتحول مناضليه ونوابه الى جهة أكثر قوة وتماسكا من نداء الْيَوْمَ. تاويل اللقاء تزامن مع غياب المعلومة بعد ان رفض شرف الدين الإدلاء بأي تصريح في هذا السياق، واكتفت حركة النهضة بالاشارة الى ما تضمنته الصفحة الرسمية لرئيس الحركة على الفيسبوك. وغير بعيد عن القراءات الاخرى يمكن ان يتنزل لقاء الغنوشي وشرف الدين في اطار البحث عن موقف مشترك للخروج من الأزمة، فلقاء الغنوشي بِالصَّحبِي بن فرج كان تحت هذا العنوان، وكذلك اللقاء الذي جمع مؤخرا بين الامين العام لمشروع تونس محسن مرزوق ورئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني.