مرت هذه الأيام الذكرى 84 لوفاة شاعر تونس الكبير ابي القاسم الشابي. اعترف من البداية بانه ما كان لي ان اجمع بين رقي الشعر وحبات «الشعير» في المساحة نفسها.. فشتان بين سحر الصورة والمعاني وبين سقط المتاع من مقترحات منها المشهد يعاني! رأس رحلة اليوم كما ذكرت هو ابو القاسم الشابي شاعر تونس والعرب الفذ اسهاما متواضعا مني في احياء ذكرى وفاته.. وتتواصل الرحلة مع النقيض اي عبر هشيم الساحة المسرحية.. بين الاعتراف والاجحاف ذكرى وفاته حركت بداخلي ذكريات لا تنسى ولا يمكن ان تمحوها حوادث الايام والسنين. قبل حوالي 18 سنة التأم «صالون سمر الثقافي» الذي كان يسهر على تنظيمه وانتظام انعقاده شهريا الصديق المرحوم الاستاذ سمير المزغني.. وكان يصر على استضافة العديد من الوجوه المجتمعية المعروفة في ميادين الادب والاعلام والموسيقى والدبلوماسية. وذات ليلة تولى الصديق الشاعر سويلمي بوجمعة القاء قصيد مهدى الى روح شاعرنا ابي القاسم الشابي.. وقد غنمت الفرصة شخصيا لأنبش في دفاتر شبه مغلقة من النوع الذي يتداوله بعضهم في جلساتهم ويرفضون احيانا الخوض فيها علانية حتى تحولت المسألة الى نوع من الصدام بين اجيال الشعراء. وقع الخوض في هذا الصراع ومكانة الشابي في المدونة الشعرية التونسية والعربية.. وهل هو فعلا الشجرة التي تخفي الغابة.. وهل هو الطوفان الذي بعده الجفاف؟! منطلق حديثي في تعليقي كان بالأساس ما دار من نقاش متشعب ومستفيض.. ولئن يعسر تقويم ما جرى في هذه المناسبة فانه لا مندوحة من الاعتراف بان للمسألة اكثر من وجه وقابلة للتصفح من زوايا مختلفة وقد تجلى ذلك في ما دار من نقاش حول محاور عديدة افضت الى تناقضات واضحة في المواقف وتنافر صارخ في القراءات والاستنتاجات.. استوقفني منها بالخصوص: *مسألة أولى: هل يختزل الشابي كامل التجربة الشعرية التونسية قديما وحديثا؟ ففيما يرى شق ان قامة الشابي المديدة فرضت نفسها في الساحة كبنيان شاهق لا يبلغه اي من الذين عاصروه او ممن جاؤوا بعده.. يرى شق اخر ويتزعمه شعراء من الجيل الجديد ان في ذلك مبالغة مقصودة لإخماد اصوات التحديث والتجديد. فالشابي من وجهة نظر هؤلاء استفاد من ظروف نشأته ومن المحيط الاجتماعي والسياسي العام الذي كان سائدا ليبرز كصوت يمثل الثورة ويدعو اليها لتحرير الوطن والذات وينشد دفع الظلم والقهر والفقر.. اي ان الظروف العامة التي كانت سائدة هي التي رفعته الى منزلة التفرد والنبي المجهول المعلوم. واكثر ما يلام على اتباع «الشابي الشجرة» انهم يرومون تدمير «الغابة» كلما حاولت التطاول على هامة هذا اشاعر اي قراءة الشعر الحديث بعيون «شابّية» متعصبة.. متناسين في الان ما عاناه الشابي ذاته في حياته من اقصاء وظلم وتجاهل نقدي الى ان مات حسرة (انظر مذكراته ورسائله الخاصة). ومن امثلة الظلم او الغبن الذي لحقه.. الاستفتاء الذي نظمته إحدى المجلات ونُزّل الشابي في إحدى المراتب الاخيرة! وهذا دليل من وجهة نظر معينة على ان منبوذ الأمس أصبح معبود اليوم وبالنتيجة فان منبوذ اليوم قد يصبح معبود الغد. فلم التعسف اذن في الحكم على «الغابة» في ظل «الشجرة» الوحيدة الفريدة! *مسألة ثانية: هل تختزل تجربة الشابي في أغاني الحياة؟ كثيرا ما يقع التركيز على «اغاني الحياة» عند الحديث عن ابي القاسم اشابي وهذا امر فيه تعسف وتقصير الى حد يذهب فيه بعضهم الى القول ان تجربة الشابي لم تفهم على الوجه المطلوب وخاصة رسائله ومذكراته وكتابه «الخيال الشعري عند العرب» الذي بشر بالحداثة قبل «روادها» اللاحقين! فدعوات التغني بإرادة الحياة واخواتها في الديوان مضرة في احد اوجهها بقيمة هذا الشاعر المفكر الذي يحاول بعضهم عن قصد او من دونه حصر عبقريته في عدد من القصائد واغماض الاعين عما تبقى من اثاره.. وهذا يوصلنا الى المسألة الثالثة: *مسألة ثالثة: من يدعي الوصاية على الشابي؟ ويعكس بعضهم وهم يمثلون عينة من تيار معين الهجوم ليذهبوا الى الزعم بان الشابي شبع قراءة وتمحيصا. شاعرا ومفكرا بل انهم يظهرون في ثوب مراجع ادبية تمسك بخيوط الحكمة والبحث والنقد واسناد الاعداد والملاحظات! ويقف ضد هذا المنحى جيل الشباب الذي ينكر على هؤلاء ادعاءهم الوصاية على الآخرين واعتبار أنفسهم سلطة نقدية متفردة تنصب وتعزل وتحيي و»تقتل» لكأنها قد خلت من بعدهم الديار والشعار والأنثار! هذه النقاط الثلاث تبرز بصفة جلية ان ابا القاسم الشابي مثير للجدل حيا وميتا وسيظل كذلك مادام فكره نابضا بالحداثة و»النبوّة» التي ركب بعضهم صهوتها ليخلقوا وراءه وبعده الفراغ ويؤدبوا بطريقتهم الخاصة كل متطاول عنيد. وبعيدا عن لغة المرجعيات والوصايات فانه يمكن القول ان نظرتنا الى الشابي لا تخرج عن سياق عام دفعنا على امتداد احقاب الى البحث لأنفسنا عن مرجعيات ورموز لنملأ بها فترات الفراغ ومراحل التلاشي والتشظي التي تمر بها الاجيال في مختلف المجالات كحنبعل وبورقيبة وعلي الرياحي ومنتخب 78 لكرة القدم الخ.. ولكن ذلك ورغم القيم المرجعية التي ذكرت لا يعني عجز اللاحقين عن تجاوز السابقين او وقوع الخلف في جبة السلف الى يوم يبعثون.. فرحم الاقلام والايام قادر على الانجاب وان بالعمليات القيصرية.. واذن فان التشبث بالشاعر الاوحد فيه تجن واضح على اجيال الشعراء القادرين على اغناء المدونة الشعرية التونسية والعربية بما يزينها كما ان انكار الشعراء من جيل الشباب للقيمة الثابتة للشابي قد يؤدي الى انقلاب المفاهيم والقيم بكل ما في ذلك من انزلاقات خطيرة «ومن لا يحب صعود الجبال.. يعش ابد الدهر بين الحفر..» فرجة الغلبة ان الحديث عن المسرح وفي المسرح يطول ويتمدد بطول ما يشكوه من علل بعد ان انقسم الى ملل ونحل وتسلل الى الميدان فرسان اخر زمان. لست ممن يدعون في المسرح علما وفلسفة ولكن احتكم على تراكمات تتيح لي على الاقل ابداء الرأي في احد الفنون التي انتجت نخبا قدمت الكثير لفائدة الفكر الانساني وخدمت سمعة البلاد في ارقى المنابر العالمية. لقد توفرت لي الفرصة كي اكون مواكبا مواظبا للحركة المسرحية وعايشت منذ اواخر الستينات وبداية السبعينات انتاجات فرقة مدينة تونس التي شكلت احد الاعمدة في الحركة المسرحية والتي قدمت العديد من الاعمال الخالدة ومهدت الطريق لبروز الكثيرين ممن أصبحوا بعد ذلك نجوما على اكثر من صعيد. ان المجال لا يسمح باستعراض الاعمال التي قدمتها تلك الفرقة والتأثير الايجابي على مستوى الجمهور الذي تعود على مواعيد أسبوعية قارة لمتابعة العروض بالمسرح البلدي الذي صار في وقت من الاوقات قبلة العائلات التونسية. وككل بناء شامخ كان لابد للمسرح من ظهور اعداء يحملون ادعاء صفة التجديد وهم ابعد ما يكونون عن هذا المفهوم بمعناه الايجابي. وفي هذا الاطار تعددت خلال السنوات الاخيرة محاولات «الاستفراد» بالفعل المسرحي من خلال العروض الفردية مدعين انها سليلة المسرح وهم لا يفرقون بين «مسرح الفرد» والعرض الفرجوي. ان ما يقدمه الغزاة الجدد لا يتعدى لقطات فرجوية تتقصّد الاضحاك بكل الوسائل وان باستعمال البذاءة والابتذال واشياء اخرى.. ولعل اخر الامثلة التي يقدمها «المبدّع» (بتضعيف الدال) كريم الغربي تشكل الصورة الافظع للمنحدر الذي تردى فيه «مسرحهم». كريم الذي قدم ببطاقة تعريف «امور جدية» حفظ درسه الاول في فقرة «ستاند أوب» قبل ان يعمد تجميع نوادر حيه ورفاقه في سلسلة من التفاهات التي لا تضحك الا من شابهه. اين المسرح في كل هذا.. فرد يتنقل بعشوائية من ركن الى اخر.. يزعق احيانا ويهدأ حينا.. يضحك.. يهتز وينتفض ولا خيط يربط بين حركاته وسكناته وثرثراته والجمهور الكريم يضحك مع كريم وعلى كريم وكريم شائخ دائخ بالإقبال والاموال طبعا. قد تطول فترة العسل المر الذي يعوم فيه كريم ولكنه في النهاية سيخرج من باب المسرح ومن ذاكرة الجمهور المغرر به ويومئذ سيسأل الناس عن كريم فيقولون «ماهوش موجود»! تلك هي النهاية الحتمية لمن يخطئ الثنية.. اللهم الا اذا وجد ابن الحلال الذي يعيده الى سكة الإبداع الحقيقي بعيدا عن التهريج الرخيص ووسوسات ابليس. حرام ان يضيع كريم مواهبه الحقيقية في لحس الايس كريم فقط لا غير.. زقزقة: نرفزة *قال خبر منقول: وجه احد المذيعين سؤالا الى احد الممثلين فأجابه: هذا النوع من الاسئلة ينرفزني.. ** قالت العصفورة: ايها البطل النرفوزي عليك بصيدلية حسين العفريت فعنده الصبر اكداس مكدسة.. ويجينا في الصبر.. وبرّه!..