خلال الندوة الدولية التي نظمتها وحدة البحث حواضر الغرب الإسلامي بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية (جامعة الزيتونة) بالتعاون مع مؤسسة هانز سايل الألمانية يومي الاربعاء والخميس 24 و25 أكتوبر الجاري وافتتحها الدكتور منير التليلي نائب رئيس جامعة الزيتونة وحضرها عدد كبير من الخبراء والمختصين والباحثين والمعنيين بموضوع الندوة وهو "الفتاوى بين الضرورة الشرعية والتوظيف" التقت "الصباح" بعض المشاركين في هذه الندوة العلمية الدولية المهمة وسالت عن الفتوى كوثيقة تاريخية ومرآة للمجتمع في مختلف تجلياته وكذلك حول جدلية الفتوى بالسلطان وعلاقة بعض مؤسسات التعليم الديني كجامعة الزيتونة. وكان من بين المشاركين الدكتور منير التليلي نائب رئيس جامعة الزيتونة الذي أفاد "الصباح" بان: "الفتوى مسؤولية عظيمة بها يبرز الحكم الشرعي الملائم لأحوال الناس ومصالحهم. فالمفتي يخبر بحكم الله تعالى عن دليل شرعي لمن يسأل عنه في أمر نازل، ذلك ان الإخبار بحكم الله تعالى عن غير سؤال في غير أمر نازل هو تعليم. وأضاف الدكتور انه ولا يخفى على الجميع أن الفتوى فرض كفاية إذ لا بد للمسلمين من يبين لهم أحكام دينهم فيما يقع لهم ولا يحسن ذلك كل أحد، فوجب أن يقوم به من لديه القدرة على فهم الأدلة الشرعية والواقع الذي ستنزل فيه الأحكام. وقال: "وأعتقد أن برامج جامعة الزيتونة وأساتذتها ومشاريع بحوثها ونشاط وحداتها لا بد أن يسهم في بلوغ طلبتها درجة من العلم تسمح لهم أن يكونوا مفتين قادرين على التعامل مع النصوص الشرعية ومع واقعهم المعاصر. كما يجب أن ندرك جميعا من أساتذة وطلبة وسلطة سياسية وإعلامية أن للمفتي حظا عظيما في توجيه العامة والخاصة وخاصة إذا تعارضت في المسألة أقوال وله أيضا دور خطير إذا أصبح الإفتاء نوعا من الاحتراف يستغل لمآرب شخصية في القنوات الفضائية على الهواء مباشرة ووسائل التواصل فيفتي المختص وغيره بأحكام لا تراعى فيها دوما خصوصيات المستفتى." عدم إمكانية دراسة الفتوى بمعزل عن سياقها التاريخي وقد أكد الدكتور نجم الدين الهنتاتي (رئيس وحدة البحث حواضر الغرب أنه: "ولئن برهن البعض من المفتين عن استقامة في أداء مهمتهم، فإن بعضهم الآخر سعى إلى استغلال منصبه لخدمة مآرب معينة، مثل تقديم الرخص لبعض السلاطين، أو الحصول على مال...، فَنَبه الإمام سحنون من ذلك قائلا: "أشقى النّاس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره". وهذا يعني أن الفتوى حادت في بعض الحالات عن وظيفتها الأصليّة وسقطت في ظاهرة التّوظيف. ولمواجهة ذلك، وضع الفقهاء جملة من الشروط للإفتاء منها التّمكّن من العلم، والتّكليف، والإسلام، والتحلّي بجملة من الصفات الأخلاقية، مثل الاستقامة، والامتناع عن التّساهل المخل، وتجنب السعي إلى الإضرار بالغير، أو السعي إلى الحصول على مال، أو تقديم الحيل المخلة بأهداف الشرع...". كما بين الدكتور نجم الدين الهنتاتي أن للفتوى سياقها العام الذي ترد فيه، وهو ما يفضي إلى عدم إمكانية دراسة الفتوى بمعزل عن سياقها التاريخي. ورد في معرض دراسته لأهمية كتب الفقه بالنسبة إلى المؤرخ على مواقف بعض المستشرقين بآراء بعضهم الآخر. كما أظهر الصلة بين الإفتاء والقضاء متوقفا عند مسألة ظهور لقب قاضي الجماعة بإفريقية نموذجا في إطار مقارن بين المشرق والمغرب. توظف الفتوى في القهر والقمع وفي كلمته ثمن الدكتور زيد الديلمي ممثل مؤسسة هانس سايدل (تونس-الجزائر-ليبيا) أهمية التعاون بين الكليات الإسلامية في البلدان المغاربية وفي ألمانيا بهدف بلورة رؤية رصينة وموضوعية وتكريس الاجتهاد والاستنباط والتعدد والاستقلال عن السلطة لمواجهة كل الأفكار التي توظف الفتوى في القهر والقمع وقال :"إنه توجد تيارات متنوعة للفتاوى ومنها التيار الذي لا يعبأ بالتفصيل والتدقيق وإنما التموقع في واقع متحرك. وانتقد الفتاوى ذات الطابع المظهري والحشدوي بلغتها الشعبية البعيدة عن التروي." كما أفاد الدكتور خالد الطرودي (مدير مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان) "الصباح" بان الفتوى عادة ما تكون إجابة عن سؤال بما يجعل منها رخصة للسائل. كما تكون إما في إطار الاجتهاد المطلق أو الاجتهاد المقيد حسب المذهب الفقهي للمفتي. وتتنزل الفتوى في إطار زمني تتأثر ببيئته لذلك يمكن دراستها كوثيقة كما يمكن من خلالها دراسة سياقاتها السياسية والثقافية والاقتصادية. وأكد الدكتور خالد الطرودي على أن الفتوى موجودة في مختلف الديانات باعتبارها استشارة دينية لكن ما نحذر منه دائما هو مغبة توظيف الفتوى لأغراض سياسية مما يفقدها مصداقيتها ويفقد الفكر الديني نقاءه.