تحت عنوان «تونس في حاجة إلى بديل» اختار الحزب الجمهوري أن يعقد اجتماعا شعبيا اليوم في صفاقس وإن بدا الشعار جذابا غايته دغدغة مشاعر الغاضبين في تونس اليوم - وما أكثرهم - بسبب ضغط الأزمات وتشعبها وسط تخبط السياسيين وفشلهم في إدارة البلاد والانتقال الديمقراطي، لكن هل يكمن التغيير وطرح البديل سياسيا فقط بالشعارات وتصيد أخطاء المنافسين؟ قطعا إن تغيير الوضع إلى الأفضل أو الانقلاب على واقع فاشل يتطلب من الأحزاب ومن السياسيين الكد والجد في سبيل طرح البدائل وإقناع المواطنين بذلك والتواجد الميداني والعمل اللصيق في الأحياء الشعبية وعند الأزمات وحتى في الأوقات الأقل قتامة في التظاهرات الثقافية وغيرها أين يتواجد الجمهور للتفاعل والتواصل ومن هنا يبدأ الاقتناع بفكرة البديل الممكن. كما يمر البديل حتما عبر القيام بمراجعات والاستفادة من أخطاء الماضي وتطوير أساليب العمل والتواصل مع قراءة جيدة لمقتضيات الواقع وانتظارات المستقبل. لكن للاسف لا شيء من هذا يحدث أو حدث في تونس ما بعد 14 جانفي فجل الأحزاب والفاعلين السياسيين اقتصر وجودهم على المنابر الإعلامية لذلك ظلت بدائلهم المطروحة تقتصر على الشعارات وفي أقصى الحالات يختزلونها في اختيار أسماء مشاريعهم السياسية والحزبية الجديدة. نقول هذا الكلام بالنظر لما يكتنف الساحة السياسية والحزبية هذه الايام من استعدادات مبكرة للاستحقاق الانتخابي القادم إذ لا تلوح بدائل حقيقية على الساحة باستثناء العناوين القديمة تتقدمها حركة النهضة التي تعمل جاهدة على اثبات تواجدها على الساحة السياسية كرقم صعب يستعد جيدا لكل المحطات السياسية بكثير من «الدهاء السياسي» لكن أيضا بالكثير من الانضباط الحزبي الهيكلي والتنظيمي. ولعل القراءة الجيدة في ندوتها السنوية الملتئمة أمس وفي خطاب رئيسها تقيم الدليل أنها قد تكون ودون مبالغة الحزب الوحيد الذي قطع اشواطا مهمة في سياق الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة تماما كما حدث في الانتخابات البلدية الأخيرة مما مكنها من الحصاد الأوفر مقارنة ببقية منافسيها. والمتأمل في بقية المشهد الحزبي يجد شتاتا مازال في وهم البدائل كشعارات لا اسس ولا مستقبل لها وكذلك صراعا على اشده في مربع الوسط بين شقوق النداء مازال مفتوحا على كل الإحتمالات،لكنه وفي كل الأحوال وبعد حسم الصراع لصالح أحدهم كعنوان التوازن السياسي المنافس للنهضة ستكون هذه الأخيرة قد ربحت أشواطا إضافية أخرى على درب الاستعداد لمرحلة ما بعد 2019. ليست هذه الحياة الديمقراطية التى ننشدها ولا من اجل هذا ضحت الأجيال المتعاقبة لنجد أنفسنا بشكل أو بآخر في مشهد سياسي وحزبي مختل لا يؤسس للخيارات والبدائل أمام التونسيين على اساس الرؤى والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتونس المستقبل. وكثيرون يتحملون مسؤولية الخذلان لانهم أخفقوا في تجاوز مطبات النرجسية ومارسوا السياسة من الأبواب الخلفية بحثا عن الغنائم الآنية العاجلة واقتسام «كعكة» السلطة.. لهؤلاء نقول لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..