«تونس لا يمكنها العيش اليوم بنسبة دين عام يبلغ 71 % من الناتج المحلي الخام.. وإنها ستعمل على التخفيض من نسبة المديونية بنقطة من ميزانية الدولة للسنة القادمة باعتبار أنها غير قادرة على تحمل أية هزة اقتصادية في ظل نسبة المديونية المرتفعة»... تصريح لوزير المالية يكشف مرة أخرى أن الخطاب السياسي يبقى طاغيا على مسؤولينا في ظل انسداد الآفاق وغياب رؤية وخطط وخاصة قرارات واضحة من شأنها أن تضع حدا للنزيف الاقتصادي وتصلح ما يمكن إصلاحه وتقطع مع سياسة التداين المتواصلة حتى تعود البلاد إلى السكة الصحيحة المؤدية إلى التنمية والتشغيل والنمو الاقتصادي... فالمتأمل في البرامج والمشاريع الحكومية بما في ذلك مشروع قانون المالية لسنة 2019 ومشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018 يلاحظ تواصل الحلول الترقيعية و»الشعبوية» التي ستؤدي حتما نحو الانزلاق إلى أزمة مالية متوقعة على المدى المتوسط والطويل خاصة أن الضمانات لإنعاش الاقتصاد الوطني تبدو ضعيفة وتتطلب مجهودات عملية وخططا وبرامج على المدى القصير والمتوسط والطويل. فالاقتصاد التونسي يعيش اليوم تحديات وصعوبات من الضروري عدم تجاهلها وتتعلق خاصة بالتوازنات المالية الكبرى للبلاد أي توازن المالية العمومية والتوازن التجاري والمالي الخارجي.. وما لم نضع الحلول الضرورية الواضحة والشفافة لرفع هذين التحديين، فإن بلادنا ستواصل التعايش مع الأزمات المختلفة. ومن بين الحلول العاجلة والمؤكدة، وضع منوال تنموي جديد وواضح يراعي وضع البلاد وحاجياتها ويضع حدا لسياسة التداين وتطور حجم المديونية الناتج عن تنامي العجز الداخلي وبصفة خاصة عجز ميزانية الدولة والعجز الكبير للحساب الجاري والذي قارب ال11% وهو عجز مرشح للتطور خلال السنوات القادمة إن واصلنا على نفس المنهج. وهذه الحلول في حاجة بدورها إلى قدرة وشجاعة لتطبيقها على أرض الواقع باعتبار أن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بالتوازي مع الحسابات السياسية والبرامج الشعبوية.. فالوضع الذي بلغناه يتطلب الشروع وبسرعة في الإصلاحات وإيجاد حلول للمؤسسات الاقتصادية ودعم التنمية في الجهات إلى جانب ضرورة تطبيق القانون والتصدي لكل أشكال تعطيل الإنتاج وإرجاع قيمة العمل بما يمكن من دفع التشغيل وتحقيق التنمية والكرامة للمواطنين والتصدي للتجارة الموازية والتوقف عن التداين خاصة منه الخارجي. إن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد اليوم لا يخفى على أحد حدتها خاصة أنها بلغت درجة العجز على تنشيط الحركة الاقتصادية وخلق مواطن الشغل زيادة على ما يعانيه مناخ الاستثمار من هشاشة البنية التحتية ونقص المناطق الصناعية والبيروقراطية ومن مركزية القرار.. كلها عوامل أدت إلى تفاقم العجز المالي وتواصل المديونية وتدهور قيمة الدينار... وفي حالة عدم إقرار إجراءات مؤلمة والانطلاق الفعلي في الإصلاحات الكبرى للحد من عجز الميزانية وكذلك عجز الميزان التجاري بما في ذلك ميزان الدفوعات ستكون الدولة قريبا عاجزة حتى على سداد ديونها حتى لا نقول «إفلاسها».