"سيبني عيش ولد خالتي.. سيبني راك باش تقتلني.."، كانت هذه آخر الكلمات التي نطق بها عامل الفخار اسكندر الهرابي قبل ان يفارق الحياة اثر استهدافه بعمل اجرامي من قبل صديق عمره في أعقاب خلاف حول"وسخ دار الدنيا" بإحدى مناطق نابل، وقد نجح أعوان فرقة الشرطة العدلية بمنطقة الأمن الوطني بنابل من القبض على المشتبه به واحالته على حاكم التحقيق بالمحكمة الابتدائية الذي اصدر بطاقة ايداع في حقه... رحل اسكندر الى الابد.. رحل في غفلة من الجميع.. رحل تاركا طفليه لليتم دون ارادة منهما.. رحل مخلفا وجعا ما بعده وجع في قلوب اخوته وأصحابه واهله واجواره لما عرف به من مواقف رجولية وطيبة قلب.. رحل على حين غفلة دون ان يجد من ينقذه أو يسعفه داخل محل سكناه، تاركا بحرا من الأسى والألم وعدة استفسارات حول ما حصل.. نقاط استفهام لماذا قتل اسكندر؟ كيف يقتل على يد صديق عمره بدم بارد؟ ماهي الدوافع الحقيقية للجريمة؟... عدة نقاط استفهام مازالت تطرحها عائلة الضحية القاطنة بنابلالمدينة، حيث أكد بلال شقيق المأسوف عليه في لقاء مساء أمس الأول مع"الصباح" أن غموضا كبيرا مازال يلف وقائع الجريمة، وانه لن يهنأ له بال حتى تنكشف حقيقة مقتل شقيقه الأكبر اسكندر.. بلال.. وبنبرات حزينة ومتقطعة يعود بنا الى سنة 2009، عندما تزوج شقيقة اسكندر(من مواليد 14 جويلية 1978).. يقول:"طلق اسكندر العزوبية وارتبط بفتاة أصيلةصفاقس أنجبت له طفلين احدهما عمره اليوم ثمانية أعوام والثاني عمره اربع سنوات.. كان كل همه العمل في قطاع الفخار لتوفير مستلزمات عائلته.. كان شديد التعلق بابنيه، ولكن شاء القدر ان يفارقهما الى الابد بفعل فاعل..". هاتف يرن.. يواصل الشقيق الملتاع بكلمات متقطعة وهو يمعن النظر في صور شقيقه وطفليه:" تحولت صباح اليوم الموالي للجريمة الى محل سكناه فطرقت الباب عدة مرات، ولكنه لم يفتح، لم أشك للحظة في حصول سوء له، ظننت انه في مقر عمله لذلك قمت بشحن هاتفي المحمول واتصلت به الا انه -على غير عادته-لم يرد على الاتصال لذلك اتصلت باحد رفاقه في العمل فأعلمني بغيابه، حينها بدأت الشكوك تتسلل الى مخيلتي..". واضاف بلال:"سارعت بالعودة الى منزله حيث طرقت الباب مجددا ولكن دون جدوى فاتصلت به هاتفيا.. حينها سمعت هاتفه المحمول يرن فأدركت أن مكروها حصل لأخي فقمت في الحين بخلع الباب ودخلت المنزل حيث كانت المفاجأة المرعبة في انتظاري..". جثة مشوهة يصمت بلال قليلا.. ينظر برهة الى صورة شقيقه اسكندر.. تترقرق دمعات على وجنتيه يمسحها ببعض من كبرياء ثم يواصل سرد الوقائع الصادمة:" كان المشهد مفزعا الى أبعد الحدود.. صادما... شقيقي ملقى على ظهره والدماء تشوه فمه وأذنه وأنفه اضافة لوجود اثار عنف بليغة في الرأس.. هرولت نحوه واحتضنته ظنا مني أنه بحالة إغماء ولكني ادركت لاحقا أنه مفارق الحياة.. كانت لحظات قاسية وصعبة جدا وانا أحتضن جثة أخي". "سارعت الى اشعار احدى الجارات والاتصال بالحماية المدنية.. وعلى صدى صياح الجارة وصراخها"-يتابع بلال-:"تجمع عشرات الأشخاص.. قبل ان يحل اعوان الامن ووكيل الجمهورية وحاكم التحقيق.. لقد قتل اسكندر.. هذا ما كشفته المعاينة الموطنية.." ثم تساءل:"ولكن من قتله؟ ولماذا؟". خلاف حول ديْن "بعد الابحاث الامنية والتحقيقات القضائية والتحري مع عدد من الاشخاص وسماع الشهود تم التوصل الى بعض من الحقيقة"-يقول بلال، ثم يضيف:" لقد كان شقيقي جالسا ليلة الواقعة رفقة صديق له داخل مستودع المنزل، وفي ساعة متأخرة من الليل مر المشتبه به الرئيسي(وهو صديق عمر الضحية ويناديه "ولد خالتي") وكان مرفوقا بمراهقة فناداه شقيقي، ثم طلب منه ان يسلمه المبلغ المالي الذي اقترضه منه..". وذكر بلال ان شقيقه والمشتبه به الرئيسي دخلا حينها في نقاش سرعان ما احتد وغادرا المستودع الى الطريق العام، حيث تطور الأمر الى مشادة كلامية ثم الى تبادل للعنف عمد أثناءه المشتبه به الرئيسي وهو صديق عمره الى غدره وخيانة"العشرة" التي جمعتهما لسنوات طويلة حيث عنفه بشدة في انحاء حساسة من جسمه وخاصة في الرأس". قاتلك..قاتلك..! كان اسكندر يترجى قاتله كي يتركه.. كان يصيح"سيبني عيش ولد خالتي.. راك باش تقتلني"، ولكن المتهم الرئيسي اصر على مواصلة لكمه وركله بل أصر على ما يبدو على قتله عندما أجابه وفق ما قاله بلال"قاتلك.. قاتلك.."، وهي الرواية التي سردتها شاهدة عيان حسب افادة محدثنا ما دفع النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بنابل الى الاذن بفتح بحث تحقيقي موضوعه القتل العمد مع سابقية القصد طبق الفصلين 201 و202 من المجلة الجنائية. مات وحيدا لاذ ثلاثتهم(المشتبه به الرئيسي ومرافق اسكندر والمراهقة) بالفرار فيما تحامل الضحية على نفسه ودخل الى منزله، الا انه فقد الوعي واغمي عليه جراء المضاعفات الخطيرة للاصابات البليغة التي لحقت به قبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة وحيدا دون ان يجد من يسعفه.. لا صديقا ولا قريبا، الى ان اكتشفت الجريمة بعد ساعات والقي القبض على المشتبه به الرئيسي اضافة لايقاف مرافق الضحية ثم اطلاق سراحه. بلال.. يقول ان شكوكا كبيرة تحوم حول مقتل شقيقه، واستبعد ان يكون الموقوف ارتكب الجريمة بمفرده خاصة مع وجود رسائل قصيرة من شخص آخر فيها تهديد للضحية، وطالب من العدالة أن تأخذ مجراها وتكشف حقيقة مقتل شقيقه حتى ينال الفاعل جزاءه ويحصل ابنا شقيقه اللذان تيتما دون ان يقترفا أي ذنب على حقوقهما كاملة.