ناقش نواب لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي أمس تحت قبة البرلمان مشروع ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لسنة 2019، وذلك بعد عرض قدمه لهم الوزير سليم خلبوس. جلسة اللجنة كانت ساخنة، وانتهت على وقع صراخ عدد من أولياء طلبة السنة الثالثة طب الدارسين في السينغال، إذ جاؤوا خصيصا إلى البرلمان للتظلم مما وصفوه بتعنت الوزير وعمداء كليات الطب ورؤساء الجامعات ورفضهم تمكين أبنائهم من مواصلة دراساتهم الطبية في تونس كما حصل سابقا مع طلبة درسوا الطب في المغرب.. وقالوا إنهم أنفقوا الغالي والنفيس من أجل تمكين فلذات أكبادهم من السفر والدراسة بالسينغال وإنهم كانوا ينتظرون أن أبناءهم سيعودون الى تونس بعد ثلاث سنوات وسيواصلون دراساتهم الطبية في إحدى كليات الطب لكنهم صعقوا بالصد والمماطلة. أما الوزير فأكد أنه ليس بإمكانه أن يفرض على الجامعات والكليات قرارا، وقال إن كليات الطب محكمة وإن المحكمين يرفضون رفضا قاطعا دخول طلبة درسوا الطب في جامعات أخرى لأن البرامج ليست نفسها، وعندما يتخرج الطلبة العائدون يكون هناك نقص في تكوينهم مقارنة بزملائهم. وأضاف أنه بعد العودة الجامعية وبناء على مطلب طلبة السينغال، دعا عمداء ورؤساء الجامعات وتحدث معهم عن وضعية هؤلاء الطلبة، لكنهم رفضوا رفضا قاطعا قبولهم ولهم مبرراتهم. فهناك ضغط كبير على كليات الطب ولا توجد شغورات. وذكر الوزير أنه وجد نفسه في وضعية حرجة وأكد أن ليس لديه أي مشكل مع هؤلاء الطلبة وليس هناك أي تعنت. وخلال نقاش مشروع الميزانية بين هيكل بلقاسم رئيس اللجنة والنائب عن «الجبهة الشعبية» أن مشروع اصلاح التعليم العالي والبحث العلمي على غاية من الاهمية لكن لم يقع تشريك مجلس نواب الشعب فيه وهو ما يعتبر نقيصة كبيرة. وقال إن مشروع الاصلاح يجب ان يكون مشروعا مجتمعيا لا مشروع وزارة او حكومة، وأضاف ان لجنة التربية سبق لها ان وجهت منذ شهر مارس الماضي رسالة الى الوزارة رغبة في اطلاعها عن مدى تقدم الاصلاح لكن إلى غاية اليوم لم يصلها الرد. وتساءل عن مدى التنسيق بين وزارتي التربية والتعليم العالي في إصلاح منظومتي التربية والتعليم العالي، وقال ان هناك كثير من المال بدد في الندوات والورشات والنزل من أجل الاصلاح ويجب أن يؤتي أكله. واعترض رئيس اللجنة على التمشي نحو خوصصة التعليم العالي، وقال إنه من غير المقبول أن يتم اعتبار التعليم العالي سلعة من السلع، ويجب على الوزارة العناية بالجامعة العمومية أكثر. وذكر أن الارهاب أصبح يستهدف خريجي الجامعات، ويجب الانتباه الى هذا الخطر، ولاحظ أن منظومة «إمد» تخرج آلاف الخريجين دون أن تكون هناك آفاق أمامهم، وأضاف أنه يجب تقييم هذه التجربة المسقطة وإيجاد البدائل. وقال إن خريجي الجامعات يجدون صعوبات في الاندماج في سوق الشغل وتساءل: هل توجد متابعة للخريجين، وهل هناك معطيات دقيقة عن نسبة اندماجهم في سوق الشغل؟ وقال ان الطلبة يعانون من مشاكل السكن الجامعي كما ان المبيتات الخاصة مخلة بكراسات الشروط. وأضاف ان الوزارة تنفق مئات الملايين لتجهيز المطاعم الجامعية لكن لأسباب بسيطة من قبيل عدم توفر طباخ لا يقع فتحها وهذا ينسحب على مطعم الرجيش بالمهدية. وتحدث رئيس اللجنة عن نقص الشفافية في الانتدابات وبين انه يجب ان تخضع لمعايير واضحة. وتحدث محمد الاخضر العجيلي النائب عن النهضة عن النقائص التي تعاني منها الكليات والمعاهد العليا الموجودة في الجهات وبين انها ليست جاذبة للطلبة ودعا الى صيانة المبيتات الجامعية وتميكن الطلبة من السكن الجامعي طيلة سنوات الدراسة. وقالت حياة العمري النائبة عن نفس الكتلة إن وزير التعليم العالي كثيرا ما يؤكد في مداخلاته على مسألة جودة التكوين، لكن الهيئة الوطنية للجودة وضمان الاعتماد لا تتمتع بالاستقلالية او بدعم الوزارة. وأضافت أنه من المهم جدا تسويق منظومة التعليم العالي والبحث العلمي من اجل استقطاب طلبة أجانب، لكن السؤال المطروح: هل ان المنظومة فعلا بصدد الإصلاح، وهل هناك جودة في التعليم؟ وتساءلت هل تم القيام بتقييم منظومة «إمد» ومعرفة سبب تضخم عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات. وطالبت العمري بتشريك لجنة التربية في اعداد مشروع القانون الاساسي للأساتذة الجامعيين. واستفسرت الى اي مدى البحث العلمي في خدمة التنمية. وذكرت ان الهيئة الوطنية للبحث العلمي يجب ان تكون مستقلة وأن تكون تحت اشراف رئاسة الحكومة تركيبتها مختلطة بين جامعيين وصناعيين. وذكرت أن التفاوت موجود بين المؤسسات وحتى بين الجامعات، وعبرت عن اسفها لنقص الشفافية في انتداب الاساتذة الجامعيين وقالت ان هناك اختصاصات يقع فتحها على المقاس. نظام «إمد» تحدثت النائبة عن نداء تونس لمياء الغربي عن نظام «إمد»، وذكرت ان الوزارة ستراجعه في اتجاه تحسين جودة الشهادات العلمية، وبينت أنه لا بد من رصد ميزانية لتحسين الجودة. وتساءلت هل سيقع انتداب 3000 دكتور المتخرجين حديثا من الجامعة، واستفسرت عن برنامج الوزارة لإرساء الحوكمة الرشيدة وعن معايير الانتداب من قبل لجان الانتداب وهل تم تحيين المعايير التي على اساسها يقع الانتداب ولماذا لا يقع نشرها حتى يكون الاساتذة على بينة ويستعدون بما فيه الكفاية للمناظرات. ونبهت النائبة وهي جامعية، الوزير الى ان المعايير توضع احيانا على مقاس بعض الاساتذة وتحدثت عن المظالم التي يتعرض لها الاساتذة وطالبت الوزير بتقديم الخطوط العريضة للنظام الاساسي الجديد للأستاذة. وتساءلت عن وضعية الاساتذة الباحثين وعن مدى تنفيذ الاتفاقية المبرمة مع «اجابة» وعبرت عن قلقها من ظاهرة هجرة الادمغة. وتساءل لطفي النابلي النائب عن الائتلاف الوطني بدوره عن مضمون النظام الاساسي للمدرسين الجامعيين، واستفسر عن مشكلة تزوير الشهادات وتساءل ماذا فعلت الوزارة بخصوص منظومة «إيناس»، وذكر ان ما حصل في القيروان من إسناد شهادات وترقيات مزورة مرده نقص السلامة المعلوماتية في المنظومة، واضاف ان افريقيا بوابة كبيرة يجب ان تتوجه اليها تونس من أجل جلب الطلبة من ناحية وتطوير التبادل في البحث العلمي من ناحية اخرى. ولاحظت هدى سليم النائبة عن الائتلاف الوطني أن ميزانية التربية والتعليم العالي مخجلة ويعود ذلك للأسف الى الصعوبات المالية، وقالت ان الجامعيين والاساتذة والنواب القوا على الوزارة باللائمة لأنها لم تشركهم في المؤتمر الوطني للإصلاح، وكان يجب على الوزارة تشريك الجميع. وذكرت انه تم التقدم في البحث العلمي في الاختصاصات العلمية لكن العلوم الانسانية لا تتمتع بميزانية كافية. فمركز «سيراس» لا يوجد فيه العدد الكافي من الباحثين، وبينت ان البحوث الانسانية لا تقل اهمية عن البحوث التكنولوجية. وأضافت ان هناك دولا مستعدة لتقديم منح لفائدة الطلبة لكن لا يقع اقتناص الفرص. وطالبت بإعادة التربصات في اللغة الانقليزية بالخارج كما كان في السابق. أما النائب عن الحرة لحركة مشروع تونس صلاح البرقاوي فأشار الى ان تحقيق الاصلاح الفعلي في التعليم العالي غير ممكن في صورة عدم اصلاح التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي، ويرى النائب انه يجب ان تكون للحكومة رؤية متكاملة حول اصلاح التعليم. وبين ان هناك من يتحدثون عن بروز مهن جديدة في السنوات القليلة القادمة وتساءل هل استعدت الوزارة لهذه التغييرات، وأضاف البرقاوي أن هناك شبه اتفاق على ان مضمون الشهادات العلمية تراجع وأن هناك متخرجين لا يستطيعون حتى كتابة مطلب شغل. وقال ان التكوين في المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية يفتقر لبعض الضروريات. وتساءل عن المنح المسندة للطلبة بالخارج وهل تم الاخذ بعين الاعتبار سعر الصرف. وقال النائب عن الديمقراطية رضا الدلاعي ان التعليم العالي يمكن تشبيهه بصمت القصور، وذكر انه لا يمكن ان يكون هناك اصلاح حقيقي وجاد دون وجود مشروع وطني ورؤية. وأوضح أن ملف التعليم العالي ليس ملف الوزارة او ملف النقابات ويجب ان يأخذ بعدا وطنيا ولاحظ الدلاعي ان تراجع عدد الطلبة مرده المذبحة التي طالت التلاميذ عند اتخاذ قرار الغاء نسبة الخمسة وعشرين بالمائة في امتحان البكالوريا. واستفسر النائب عن الخارطة الجامعية وقال ان هناك رؤساء جامعات ودكاترة يقومون بتجاوزات وهؤلاء ليس فوق المتابعة والتقييمات. ودافع منجي الرحوي النائب عن الجبهة الشعبية عن طلبة الطب ودعا الوزير الى ايجاد حلول لهم لأنهم يشعرون بالغبن ويحسون انهم تعرضوا الى مظلمة حقيقية وهو نفس ما دعت اليه النائبة عن الديمقراطية سامية عبو والنائبة عن الولاء للوطن ريم محجوب. مسار طويل تعقيبا على أسئلة النواب، بين سليم خلبوس وزير التعليم العالي والبحث العلمي ان مسار اصلاح التعليم العالي انطلق منذ 2012 وتم القيام بتشخيص واصدار كتيب حوله سنة 2015 وتم نقاشه، لكن هذا المسار تعطل، وعند التحاقه بالوزارة عمل على اعادة العلاقات بين الاطراف المشاركة في الاصلاح ولم يكن ذلك سهلا وسط التجاذبات السياسية، وحاول ان يكون على نفس المسافة من الجميع واختار ان يعمل في صمت وقد فتح الباب للجميع وتم تشريك الاساتذة والطلبة والنقابات. وبخصوص الميزانية ذكر ان الوزارة ليست راضية عنها وأنها كان ترغب في مبلغ أكبر لكن هذا لم يكن ممكنا في ظل الوضعية المالية الصعبة للبلاد. ولم ينف الوزير وجود سرقات وفساد ورشوة، وقال انه لم يقل ان كل شيء على ما يرام بل قال ان الوزارة وضعت اليات للرقابة والشفافية لكي تتفطن الى الإخلالات والسرقات. وأوضح ان الوزارة عندما تفطنت في رقادة إلى شبكة في الادارة تدلس الشهائد قامت بطرد البعض وبإحالة البعض الآخر على القضاع لكنها لم يشهر بالعملية خشية على سمعة الجامعة. وتعقيبا عن استفسار يتعلق بمنح الادماج في الحياة الجامعية وبين ان الموارد مرصودة، وسيصدر الامر المتعلق بها في السبوع المقبل وإثر ذلك سيقع صرف المنح لفائدة الطلبة. وعن سؤال اخر اجاب الوزير ان هناك مشروعا يتعلق بالتكوين المستمر سيسمح لمن يغادرون الجامعة بالعودة اليها. وبخصوص التنسيق بين التربية والتعليم العالي والتكوين المهني قال ان هناك رغبة في تكوين هيئة وطنية تنسق بين الوزارات الثلاثة. وأضاف ان الوزارة بصدد اعداد اصلاح لمنظومة التوجيه. وقال ان الطالب الجديد لا يتقن اللغات ولتجاوز هذا المشكل سيقع الترفيع في عدد النقاط المسندة للغات عند التوجيه. وأضاف خلبوس ان الوزارة بصدد اعداد كتاب الاصلاح وهو يلخص كل المسار من تشخيص ومخرجات مؤتمر الاصلاح وسيكون باللغتين العربية والفرنسية وسيقع توزيعه على النواب وبين انه لن يخفي شيئا وقال ان مشروع الاصلاح ليس مشروع وزير او وزارة. وردا على الاسئلة المتعلقة بمراكز المهن بين انه بعد التفطن الى النقص الموجود في التكون تقرر انشاء هذه المراكز التي ستتولى القيام بتكوين اضافي في اللغات وتحسين المهارات في الاتصال. وذكر خلبوس ان الوزارة اعدت منصة رقمية لمتابعة مسار الخريجين وللتعرف على مدة البطالة وعلى الاجر وستمكن هذه المعلومات من تحسين تشغيلية الطلبة. وردا عن الاسئلة المتعلقة بالتعليم العالي الخاص بين ان الوزارة ليس لها موقف ايديولوجي من التعليم الخاص وكل ما تريده هو اصلاح جذري للتعليم العالي بصفة عامة والتعليم العالي الخاص. وذكر ان هناك رقابة قوية من الوزارة على التعليم الخاص. وبالنسبة الى نظام «إمد» بين ان الاشكال ليس في هذا النظام بل في كيفية تطبيقه واكد الوزير للنواب انه تم تشريك خمسمائة استاذ في اصلاح نظام «إمد». وردا على مطلب منح الاستقلالية للهيئة الوطنية للتقييم بين انه سيقع انشاء هيئة مستقلة للتأهيل والاعتماد بالشراكة مع الاعتماد الدولي. واقر الوزير بوجود تفاوت في نسبة التأطير بين الجهات. وبالنسبة الى الاتفاقية مع اجابة قال ان الوزارة اصدرت منذ يومين بلاغا توضيحيا، واكد ان الوزارة طبقت ما جاء في الاتفاقية. وبين انه لا يمكن تغير القانون الاساسي للأستاذة بصفة متسرعة وقال انه تم الانطلاق حاليا في اعداد الصيغة النهائية لمشروع القانون وسيقع عرضها على الاطراف الاجتماعية وبين ان هناك توافقا حوله بنسبة تسعين بالمائة.