فجع أمس التونسيون بخبر رحيل الفنان قاسم كافي الذي شكل على امتداد عقود من الزمن جزءا من حياة التونسيين. فقاسم كافي لم يكن مجرد مطرب أو فنان تونسي دما ولحما وإنما كان خير مرافق للتونسيين في أفراحهم ومسراتهم، فلا تطيب حفلات الأعراس والمواعيد الإحتفالية إلا بحضوره وهو يتغنى بأغانيه الشعبية التي اكتسحت الساحة وباتت لا تكتمل الفرحة إلا إذا ما تراقص التونسيون على أنغامها ومن بينها بالخصوص "يا صالح يا صالح" و "ليليري يمة" و"ها الكمون منين" و"عشيري لوّل". وكان قاسم كافي قد ولد في 5 أوت 1945 بصفاقس. وقد تتلمذ منذ أن بلغ سن الثامنة على يد الشيخ محمد بودية الذي لقّنه أصول الطرق الصوفية ومالوف الهزل واستهلّ الراحل مسيرته في إذاعة صفاقس مع عديد الأسماء الموسيقية منها الفنان الراحل أحمد حمزة، ثمّ التحق بالمجموعة الصوتية للفرقة الوطنية للإذاعة التونسية بقيادة المايسترو الراحل عبد الحميد بن علجية. وقد نعت وزارة الشؤون الثقافية أمس الراحل قاسم كافي الذي اعتبرته من رموز الأغنية التونسية ومن أبرز الفنانين الذين ذاع صيتهم في أداء الفلكلور التونسي كما ساهم في المحافظة على الموروث الغنائي والثقافي التونسي من خلال تقديمه لحوالي 600 أغنية موزّعة بين التلحين والغناء. وإذا ما اردنا أن نقدم فكرة موجزة حول الفنان فإننا نشير إلى أن قاسم كافي تغنّى بالمرأة والحب والحياة واختصّ في الأغاني الموسيقية الشعبية التي تجذّرت في ذاكرة التونسيين. واشتهر قاسم بأداء أغاني محببة للتونسيين على غرار "يمة" و"يا محبوبة عذبتيني" و"على بنت الخالة" و"زغرتي يا لميمة" و"رمان بلادي" و"شهلولة لكن قتالة" و"راني مضام يا العالي ربي" و"عندنا قنديل ضاوي" و"سوق الجمل" وغيرها. وقد كانت لقاسم كافي نبرة خاصة يمكن لجمهور المستمعين تمييزه من خلالها بين عشرات الأصوات كما كان ظريفا مليحا في ظهوره الإعلامي وفي حضوره بيوت التونسيين عبر بوابة الإذاعة والتلفزيون ومن خلال الغناء في حفلات الأفراح مما جعله عبارة عن فرد من افراد أغلب العائلات التونسية. لذلك بفقده، فقد التونسيون فنانا محببا للنفس قريبا من الناس. ويحسب لقاسم كافي أنه كان مصرا على أداء اللون التونسي ومتحمسا للموسيقى التونسية ومدافعا شرسا على الفن التونسي وقد كان كريما في تعامله مع الناس ومع زملائه الفنانين ذلك أنه لحن لعشرات الأسماء المعروفة. ورغم الفجيعة والألم، فقد فجع في نجله الذي رحل (سنة 2011) عن سن 26 سنة اثر حادث سقوط أودى بحياته، فإن قاسم كافي واصل الغناء وتامين الحفلات إلى الايام الأخيرة في حياته وذلك رغم علامات المرض والتعب التي كانت بادية عليه... ولعل تونس اليوم وهي تودع أحد أبنائها (موكب الدفن اليوم بمقبرة الجلاز بالعاصمة) الذين كرسوا حياتهم لحماية الموروث الموسيقي وجندوا كل طاقتهم من أجل نشر الأغنية التونسية والموسيقى التونسية وكانوا سببا في بث السعادة في نفوس الناس واشاعة الفرحة لديهم تلتفت إلى فنانيها الذين أفنوا حياتهم من أجل الناس دون أن يظفروا دائما بمقابل مادي ومعنوي يفيهم ولو القليل من حقهم.