بتبني رئيس الجمهورية لمشروع قانون ينظم حالة الطوارئ سيتم قريبا انهاء حالة قانونية شاذة وغير دستورية يستند عليها اعلان وتمديد حالة الطوارئ في تونس منذ 40 عاما. مبادرة سيتم بمقتضاها وبعد أن يصادق عليها مجلس الوزراء والبرلمان قبر أمر ترتيبي يتيم يعود تاريخ صدوره إلى 26 جانفي جانفي 1978 زال سبب وجوده وانتفت عنه الصبغة القانونية وأضحى في حكم اللاقانوني واللادستوري خاصة بعد صدور دستور جانفي 2014. غير ان صاحب المبادرة الحقيقي والأصلي والذي كان له السبق في التنبه إلى الخلل القانوني والدستوري ليس رئيس الجمهورية على أهمية مبادرة الرئاسية في هذا الإطار، بل هو النائب المستقل رياض جعيدان ورئيس كتلة "الولاء للوطن" والمنتخب عن القائمة المستقلة للتونسيين بالخارج، والذي استغرب عدم مسارعة البرلمان إلى النظر في مبادرة تشريعية مماثلة كان قد تقدم بها بمعية عدد من النواب. وكان جعيدان تقدم بمقترح قانون لتنظيم حالة الطوارئ بتاريخ 26 أكتوبر 2016 وسجل رسميا في مكتب مجلس النواب وأدرج ضمن مشاريع القوانين المدرجة ضمن جدول اعمال اللجان البرلمانية بعد ان حظي بتوقيع عدد كبير من النواب. وتهدف المبادرة التشريعية إلى إنهاء العمل بالأمر المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ المؤرخ في 26 جانفي 1978 وإيجاد قانون أساسي بديل له. لكن المبادرة لم تتم احالتها رسميا على اللجان المعنية من قبل مكتب مجلس النواب وظلت تنتظر دورها لسنوات إلى حين "تفطنت" رئاسة الجمهورية أخيرا إلى وجود خلل دستوري في تطبيق حالة الطوارئ في تونس.. وقال رياض جعيدان في هذا الصدد في تصريح ل"الصباح" إنه تم إعلامه خلال الأسبوع الماضي من قبل رئاسة الجمهورية بقرار تقديم مشروع قانون ينظم حالة الطوارئ على مجلس وزاري يشرف عليه رئيس الدولة، وتُبني مقترحه الأصلي الذي تقدم به منذ ثلاث سنوات، مؤكدا انه سيتم اعتماد نفس مضمون مبادرته التشريعية تقريبا باستثناء اضافة فصل جديد يتعلق باللجوء إلى رأي استشاري لمجلس الأمن القومي قبل الإعلان عن حالة الطوارئ أو التمديد لها. لكن جعيدان، انتقد في نفس الوقت لجنة الحقوق والحريات بمجلس النواب بصفتها متعهدة بمقترح القانون الذي قدمه سابقا مستغربا عدم برمجة اللجنة للنظر في المشروع رغم مرور سنوات على ايداعه. وقال: "أدرّس القانون الأمني منذ 15 سنة بالجامعات الفرنسية ويستشيرني عدد من النواب والسياسيين الفرنسيين في كل ما يتعلق بالتواريخ الأمنية وأصدرت كتابا منذ أسبوعين حول "الرقابة البرلمانية على العمليات الأمنية والاستخباراتية".. لكن في تونس يرفض زملائي النواب أن أقدم مقترح قانون في نطاق اختصاصي وترفض الحكومة ورئاسة الجمهورية استشارتي في مجالات متعلقة باختصاصي". قبل أن يستدرك مستنكرا: "لماذا.. هل لأنني لا أنتمي للمنظومة او ما يعرف بال"Système"؟. وجدد صاحب المبادرة التشريعية بأن الإعلان عن حالة الطوارئ المعتمد حاليا في تونس منذ 24 نوفمبر 2015 غير قانوني باعتبار أن الأمر 78 سيء الذكر (يذكر التونسيين دائما بأسباب صدوره والمرتبط بأحداث الخبر وعبره تم قمع سياسيين ونقابيين ومواطنين والزج بالمئات في السجون..) الذي استند عليه الأمر الرئاسي انتهى أمره بعد المصادقة على دستور جانفي 2014. باعتبار أن "الدستور نص على ضرورة إيجاد قانون لكل ما من شأنه أن يحد من الحقوق والحريات". يشار إلى أن المبادرة التشريعية التي تقدم بها جعيدان تتكون من 8 فصول ينص الفصل الأول منها على أنه «يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه في حالة نيل خطير من النظام العام أو في حال وقوع أحداث تكتسي بخطورتها صبغة الكارثة». يذكر ان مجلس الوزراء المنعقد امس برئاسة الجمهورية تحت اشراف رئيس الدولة الباجي قائد السبسي قرر تأجيل النظر في مشروع قانون تنظيم حالة الطوارئ، لمزيد النظر في بعض الأحكام الخاصة بالضمانات وبالمراقبة القضائية ثم عرضه من جديد في أقرب وقت على مجلس الوزراء. ووفقا لما صرحت به الناطقة باسم الرئاسة سعيدة قراش يتضمن مشروع القانون عدة ضمانات وفيه تصور جديد لطريقة الإعلان والتمديد لحالة الطوارئ التي ستكون في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، مبينة أن الإعلان يكون بعد استشارة مجلس الأمن القومي. على أن يتم إعلام مجلس نواب الشعب بقرار اعلان حالة الطوارئ أو التمديد فيها. كما ينص مشروع القانون على أن القرارات التي تتخذها وزارة الداخلية في إطار حالة الطوارئ تكون تحت إشراف القضاء، مع امكانية الطعن في القرارات أمام المحكمة الإدارية. بدوره قال المستشار السياسي لرئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة أول أمس في تصريح إعلامي أنّه تم خلال المجلس الوزاري الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية اقتراح بعض التعديلات على مشروع قانون حالة الطوارئ، مفيدا بأن المبادرة (الرئاسية) تتنزل في إطار عمل رئاسة الجمهورية التي ''تسهر على تطبيق القانون واحترام الدستور"، قائلا أن ''الدستور ينص على تنظيم حالة الطوارئ بقانون لكن في تونس اليوم حالة الطوارئ منظمة بأمر بمعنى أنّ هذا الإجراء مخالف للقانون''. تجدر الإشارة إلى أن حالة الطوارئ في تونس أعلنت في أربع مناسبات تقريبا اثنتان منها قبل الثورة اي قبل سنة 2011 وتحديدا خلال أحداث الخميس الأسود بين 26 جانفي 1978 و24 فيفري 1978. وأيضا خلال الفترة بين 3 فيفري 1984 و25 جانفي 1984. وهي الفترة المعروفة بأحداث الخبز. كما فرضت حالة الطوارئ في تونس في 14 جانفي 2011 من قبل الرئيس الأسبق بن علي ساعات قبل مغادرته البلاد، وتم تمديد حالة الطوارئ، بعد رفعها لأول مرة بعد الثورة من قبل الرئيس السابق المنصف المرزوقي في 5 مارس 2014، قبل ان يتم فرض حالة الطوارئ ثانية في 4 جويلية 2015 إثر عملية سوسة الارهابية ورفعت في 2 أكتوبر 2015. واعلنت حالة الطوارئ لمرة رابعة في 24 نوفمبر 2015 إثر العملية الارهابية ضد الأمن الرئاسي ويتم التمديد فيها منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.. رفيق بن عبد الله