فاجأ الامين العام المنتدب والمنصهر مؤخرا بنداء تونس سليم الرياحي الرأي العام بإعلان ما وصفها ب»خطة رئيس الحكومة يوسف الشاهد واستعداده للانقلاب على رئيس الدولة الباجي قائد السبسي»، في إشارة واضحة الى نقطة اللاعودة التي وصلت إليها العلاقة بين النداء والشاهد ومحاولات إقحام المؤسسات الحاملة للسلاح في معركة حزبية وسياسية بالأساس. معركة خلفت امتعاضا شديدا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبالخصوص «الفيسبوك» و»تويتر» تحول من خلالها الرياحي الى «مهرج» خاصة بعد ظهوره التلفزي على قناة «فرنسا 24» ليعلن عبرها عن شبكة «المنقلبين» والساعين لإقلاق راحة «فخامة الرئيس»، ليلعب معها الرياحي وبذكاء خارق دور «جهاز المخابرات». موقف الرياحي وجد ما يفنده ويرفضه بقوة وذلك بعد البيان الصادر عن نقابة اعوان وإطارات أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية التي اعتبرت ان الزج باسم العميد رؤوف مرداع مدير عام الامن الرئاسي وابن الحرس الوطني ما هو الا محاولة لاستدراج هذا السلك في معركة لا تعنيه بالمرة. وأكد البيان «أن زمن الانقلابات، ناعمة كانت أم خشنة، قد ولّى وانتهى… وأن كل من تُصوّر له مخيلته الضيقة أنه قادر على أن يدخل قيادات وإطارات وأعوان الامن الرئاسي خارج ما يضبطه القانون لم يخبر ولاءنا المطلق الى قيم الجمهورية... ويهم النقابة التأكيد أنها ستقف سدا منيعا أمام كل محاولات الزج بهذا الجهاز في خارج المهام الفعلية التي يضبطها القانون مهما كانت صفة الشخص او اسمه». مقدمة واضحة على ان ما ادعاه الرياحي ما هو الا نتيجة «لمخيلة ضيقة» وفق نص البيان على اعتبار عدم قدرة أي جهة على تطويع هذا الجهاز لصالح «اَي جهة أو شخص» وفق نص البيان أيضا، مما يعني ضمنيا انه لا صحة لما صرح به الأمين العام للنداء اولا واستعداد جهاز أعوان وإطارات أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية للتصدي لأي انحرافات بمهامهم الرسمية انطلاقا من إيمانهم بعقيدة عسكرية وأمنية لا تعترف الا بالولاء كل الولاء للوطن. موقف الانقلاب رد عليه رئيس الحكومة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، خلال حضوره في البرلمان لتقديم التقرير العام حول مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2019 حيث قال «لن يؤثّر فينا قول من يرى في أن العودة إلى الشرعية والدستور هو انقلاب ونحن لا نسعى إلى ذلك وهذه مهزلة فالديمقراطيون لا يؤمنون إلا بالشرعية الدستورية والعودة إلى الشعب لاختيار من يمثّله بكلّ حريّة». واعتبر الشاهد ان الازمة السياسية انتهت من خلال احترام الدستور، مشيرا الى ان «البعض لازال ينفخ على الرماد مراهنا على تعفين الوضع السياسي» على حد قوله. من جهته أوضح النائب يوسف الجويني، أحد الذين تحدث عنهم الرياحي «بتدبير الانقلاب» أن ما ذكره الرياحي لا أساس له من الصحة و»ترهات فارغة» لا يصدقها عقل ولا يتقبلها منطق». وأضاف الجويني في تصريح ل»الصباح نيوز»، «ان مرد هذه الاتهامات في هذا التوقيت هو ان سليم الرياحي استبق ما ينتظره من تتبعات في قضايا تتعلق بالنادي الافريقي، لاتهام الشاهد ومدير الديوان الرئاسي السابق سليم العزابي اللذين اتهمهما في السابق بالزج به في قضية تبييض الاموال التي مازال محل تتبع من أجلها، ولضرب عصفورين بحجر واحد حشرني في موضوع التهمة التي وجهها للشاهد ومن معه لتصفية حساباته القديمة والجديدة معي لأني النائب الوحيد الذي شق عصا الطاعة ولم ينضم الى كتلة حزبه الجديد نداء تونس». وتساءل الجويني: «إذا فرضنا أن هناك حديثا حول تدبير انقلاب ضد رئيس الجمهورية، فلماذا انتظر الرياحي منذ شهر جويلية الماضي ليعلم القضاء بهذه «الترهات والادعاءات الباطلة» في هذا الوقت بالذات الذي تحركت فيه هيئة النادي الافريقي للمطالبة بفتح تحقيق ضده؟» مواقف قابلها غياب تام لمؤسسة رئاسة الجمهورية التي خيرت الصمت عن الموضوع رغم حساسية الامر الذي يهمها بالدرجة الاولى مما وّلد انطباعا ان الرئاسة تتبنى نفس الطرح القائل بالانقلاب وهو ما يؤكد أطروحات القريبين من يوسف الشاهد بأن الرئيس الباجي قائد السبسي «لن (الزمخشرية) يغفر للشاهد ما قام به من تجاوزات لسلطة (البابا)». فتطورات الصراع داخل النداء سارعت بالانتقال الى الحكومة وإلى البرلمان، وها هو النداء يسعى لنشر أكبر مساحة ممكنة من الفوضى السياسية، وفق رأي القيادي السابق لزهر العكرمي، لتشمل القوات الحاملة للسلاح من خلال سياسة الأرض المحروقة. صمت الرئاسة مقابل مواصلة نداء تونس وما «جاورها» من احزاب تأكيد عميق على أننا دخلنا مرحلة اهتراء السلطة في ظل وجود رئيس كثيرا ما انتصر لابنه على حساب استقرار الحزب. وفِي واقع الامر يحصل كل هذا مع تطورات كبيرة في مشهد العلاقات الديبلوماسية لنداء تونس ولرئيسه المؤسس في الآونة الاخيرة خاصة بعد زيارة رجل الاعمال المصري نجيب سوريس اضافة الى زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى تونس ولقاء قريب مع المشير الليبي خليفة حفتر. وفِي تعليق طريف للنائب الصحبي بن فرج عن التطورات المتسارعة للأحداث كتب قائلا «متابعتي الدقيقة للحرب السورية سمحت لي بفهم كيف يفكر مشغّلو المرتزقة والعملاء والخونة وكيف تعمل غرف العمليات الإعلامية: عندما تكون جحافل الارهابيين مهزومة على الارض لا محالة ويكون الجيش العربي السوري قاب قوسين أو أدنى من دحرهم، تخرج علينا فجأة قصة فكاهية أو حدوثة في شكل مهزلة أو معركة وهمية يتم الحشد لها بقوة وتقع التعبئة لها بحيث تصبح الحدوثة/المهزلة هي الحدث الرئيسي.» وأضاف بن فرج الحقيقة، أن الموضوع أكبر من حدّوثة او مهزلة أو تلهية للراي العام، غرف العمليات هذه تشتغل بطريقة علمية وبتنسيق عالي من أجل أهداف تكتيكية محددة غالبا ما يكون الهدف «صناعة» ورقة ضغط وهمية لجرّ الطرف المقابل الى التفاوض... وقد يكون الهدف ايضا إيهام الجحافل المهزومة على الارض بأن المددَ قادم وأن الدول المشغلة لها ستتحرك وتنصرها فترتفع معنويات الجحافل وتثبُت في مواقعها لأيام أو أسابيع ولا تفرّ وتستسلم او تنتقل إلى الضفة المقابلة». في انتظار كلمة الفصل للقضاء العسكري الذي أودع عنده سليم الرياحي «قضية الانقلاب»... يبقى التساؤل مشروعا: هل يكون هذا «الانقلاب» هدية سليم الرياحي لرئيس الجمهورية بمناسبة عيد ميلاده الثاني والتسعين الذي يصادف بعد غد 29 نوفمبر؟