تناولت عديد الدراسات منذ سنوات مضت موضوع العلاقة بين النجاح الدراسي وجنس المتعلمين وتوصلت جميعها تقريبا إلى تأكيد تفوق الإناث على الذكور في النتائج المدرسية وبالتالي نسب نجاحهن أفضل ويكتسبن كفايات أهم وأكثر تطورا مما يحصل عليه الذكور. فهل يحدد الجنس القدرة على الاستيعاب والتعلَم؟ وهل أن قدرات الاناث الذهنية تفوق قدرات الذكور؟ الاحصائيات هي المعيار إن الحديث عن ضعف تعلم الذكور في المنظومة الدراسية التونسية ليست وليدة اليوم لكنها برزت للعيان منذ فترة ليست بالوجيزة وذلك عندما أصبح الفارق في النتائج المدرسية الذي يفصل الذكر عن الأنثى يكبر من سنة إلى أخرى إلى درجة أن التفوق في الدراسة الذي كان يسيطر عليه الذكر تحول لصالح الانثى. ورغم أننا في تونس اعتبرناها مفارقة غير طبيعية وحديثة في المنظومة التربوية التونسية إلا أنها توصف بالأمر الطبيعي في عدة منظومات ففي دراسة صادرة سنة 2011 أكد الباحثيْن الأمريكييْن في علم النفس المعرفي «دانيال فوايي» و»سوزان فوايي» أن تفوق الإناث في الدراسة هو واقع قائم بعد أن اطلعا على أكثر من 6 آلاف مقال علمي و208 دراسة تمت في 30 دولة اهتمت بالموضوع وذلك في الفترة من 1941 إلى 2011. كما لوحظ نفس الواقع في الولاياتالمتحدة واعتبر ذلك التفوق الأنثوي اختلالا في التوازن التربوي من الضروري معالجته لتمكين الذكور من اللحاق بالإناث وتجاوز تأخرهم عنهن. كما يؤكد التقييم الدولي «بيزا» تفوق البنات على البنين في سن 15 وهي سن التلاميذ الذين يشاركون في هذا التقييم. وتؤكد الأرقام الرسمية حول النتائج المدرسية في المنظومة التربوية التونسية تفوق الإناث أيضا على الذكور. ففي قراءة لنتائج البكالوريا في الدورات الأخيرة نلاحظ أن عدد الناجحين من الإناث يفوق بكثير عدد الذكور ففي دورة 2016 كانت نسبة الناجحين من الاناث حوالي 65 % في حين كانت نسبة الذكور 35 % وفي دورتي 2017 و2018 كانت نسبة الناجحين من الاناث حوالي 63 % في حين كانت نسبة الذكور 37 %. واعتمادا على احصائيات السنة الدراسية 2016 – 2017 يتأكد نفس الاستنتاج فنلاحظ أن النسبة الصافية للتمدرس مثلا في الفئة العمرية ما بين 12 و18 سنة (الاعدادي والثانوي) بلغت 75,9 %بالنسبة للذكور و86,1 % بالنسبة للإناث ونلاحظ أيضا أن نسب الرسوب والفشل المدرسي قبل نهاية المسار الدراسي كانت لصالح الإناث اللاتي يواصلن دراستهن أطول مدة من الذكور. فبالنسبة للرسوب في الاعدادي يرسب 24,8 % ذكور و15,1 % إناث وبالنسبة للرسوب في الثانوي يرسب 21,5 % ذكور و18,3 % إناث. ولا تتغير المقارنة بالنسبة للانقطاع المدرسي ففي الاعدادي تبلغ نسبة المنقطعين ذكور13,8 % وإناث 6,2 % أما في الثانوي فتبلغ نسبة المنقطعين ذكور تبلغ 15,8 % وإناث 10,9 %. وبخصوص التوجيه نحو الشعب المدرسية نلاحظ أن البنات يتوجهن إلى الشعب العلمية بنسبة هامة في منافسة واضحة للذكور رغم أن هذا لم يكن ملاحظا في السابق ما عدا بالنسبة للتقنية والإعلامية التي يتفوق فيها الذكور لكن نلاحظ أن تواجد الاناث في تلك الشعب العلمية يتزايد من سنة لأخرى وتمكنت البنت من إزاحة الذكر من المراتب الأولى في شعبتي الرياضيات والعلوم التجريبية إذ نجد أن عدد التلميذات في شعبة الرياضيات في سنة البكالوريا يفوق عدد الذكور بينما يتضاعف ثلاث مرات في شعبة العلوم التجريبية. وهذه النتائج تختلف عن النتائج في الدول الأوروبية التي لا يزال الذكر فيها مسيطرا على الشعب العلمية حسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. أسباب معقدة هناك أسباب عديدة ومعقدة لهذا الواقع كما وصفته أستاذة علم النفس الفرنسية «فرانسواز فويو» سنة 1999 . وتؤكد عدة دراسات أنه لا علاقة للتفوق الدراسي بالتكوين الجيني للفرد حسب جنسه لكن هناك أسباب لهذا الواقع لها ما يبررها منها ما له علاقة بالمدرسة مثل البرامج والطرق البيداغوجية وسلوكات المتعلم والمعلم في مرحلة التعلم أو التمثلات الخاطئة لدى بعض المدرسين لقدرات الذكور الأفضل مثلا في الرياضيات وهو ما لا يثبته الواقع. ومنها ما يعود إلى التربية الأسرية التي تربي البنت عموما على احترام القواعد والالتزام بالأنظمة وعلى الحفاظ على السلوك المتزن بينما تحرر الذكور من صرامة تلك الالتزامات مما يؤثر على احترامه للسلطة المدرسية وهذا يؤثر على الالتزام في القسم وبالتالي يؤثر في التركيز أثناء الدرس فتكون النتائج ضعيفة وبالتالي يكون معرضا أكثر لمغادرتها قبل الوقت وبكفايات ضعيفة. وفي حين يقضي الذكور عادة أوقات الفراغ بعد الدراسة في الترفيه. تذكر دراسة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن الأنثى تكسب ساعة زائدة مقارنة بالذكور في وقت فراغها تخصصها للمراجعة. كما أن الاناث عادة ما يقضون وقت الفراغ في عمل مفيد إما خاص بهن أو لفائدة العائلة. وخلص الباحث الكندي «إيجيد روايي» في دراساته أن الاناث هن أكثر اهتماما بالمطالعة في وقت الفراغ من الذكور مما يثري زادهن المعرفي ويدربهن على فهم المكتوب وهذه كفاية تؤسس للنجاح في جميع المواد. وتؤكد بعض الدراسات أن بناء المعرفة لدى الفتيات من أجل التعلَم في الوسط المدرسي تختلف عن الذكور وأن ثقتهن بالنفس أكثر متانة مما يجعلهن يتفوقن على الذكور وهذا دليل على أن القدرات الفكرية ليس لها جنس. ولعل إثارة هذا الموضوع فرصة لدراسته بأكثر تعمق لإيجاد الحلول المناسبة التي على الأقل ستخفف من الفشل المدرسي للذكور . فهل نحن اليوم في فترة نهاية سيطرة الذكر وبداية عصر جديد تتمكن فيه المرأة من السلطة كما قالت الكاتبة الأمريكية «هنَا روزن» سنة 2013 في كتابها» نهاية الرجال: هذا زمن النساء قد حل». * باحث وخبير تربوي