مضى على تطبيق الإجراءات الخاصة بترشيد التوريد التي أقرتها الحكومة في قانون المالية لسنة 2018، التسعة أشهر، ليعرف خلالها الميزان التجاري تقلصا ملحوظا في العجز الذي لازمه نحو ما يزيد عن الست سنوات مع العديد من البلدان وأهمها تركيا التي تخصها هذه الإجراءات والتي تشمل عددا من المواد الاستهلاكية المضمنة بالقائمة عدد 2 المدرجة في ملحق قانون المالية لسنة 2018. وأفاد مدير عام التجارة الخارجية صلب وزارة التجارة خالد بن عبد الله في تصريحه ل«الصباح» بان هذه الإجراءات أتت أكلها في ظرف ستة أشهر حتى عرف حجم الواردات التونسية من تركيا انخفاضا هاما بنسبة تناهز ال40 بالمائة أي بقيمة 200 مليون دينار اقل مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية بعد أن كانت في حدود ال507 مليون دينار لتصل إلى 309 مليون دينار. وبين المدير العام أنه من المتوقع أن تحافظ نسبة الانخفاض المقدرة ب40 بالمائة على نفس المعدل خلال بقية السنوات باعتبار أن الإجراءات المتخذة في برنامج ترشيد التوريد تمتد على خمس سنوات ابتداء من سنة 2018، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات ركزت على الترفيع في المعاليم الديوانية على المنتجات المضمنة في القائمة وهو ما يطرح مشكلا من نوع ثان، حسب تعبيره. وفسر المدير العام صلب الوزارة أن المشكل الذي تطرحه إجراءات ترشيد التوريد من تركيا دون سواها من البلدان الخارجية التي تورد منها تونس يتمثل في إمكانية تواصل نزيف الواردات لنفس المنتجات الاستهلاكية باعتبار أن الترفيع في المعاليم الديوانية على توريدها من تركيا سيجبر بلادنا على توريدها بنفس الكميات وربما أكثر من بلدان أخرى لان المشكل لا يرتبط ببلد المنشأ بقدر ما يتعلق بحجم واردات هذه المواد الاستهلاكية من الخارج... واجمع العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي على أن تناقص النقد الأجنبي لبلادنا وشح السيولة في المؤسسات المالية والبنكية المحلية سببه التوريد العشوائي في العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية منها وحتى الكمالية، داعين في نفس السياق إلى ضرورة وقف التوريد نهائيا في عدد من المواد والسماح فقط بتوريد الأدوية والمواد الأساسية والمحروقات... وكانت الحكومة قد استجابت لمثل هذه المطالب وضمنتها في قرارات تم تفعيلها مطلع السنة الجارية من خلال فرض أداءات جديدة على عدد من المواد الموردة، فضلا عن تحديد وزارة التجارة لقائمة تضم حوالي ال220 منتجا غير ضرورية من بينها عدد من المواد الغذائية مثل أنواع من الأسماك والأجبان والفواكه إضافة إلى العطور والخمور وبعض الأجهزة الكهربائية مثل آلات التكييف. كما أمر البنك المركزي البنوك المحلية بوقف منح قروض للتجار لتمويل واردات حوالي 220 منتجا استهلاكيا في نفس السياق الذي يتنزل فيه قرار وزارة التجارة، باعتباره قرارا صادرا عن الجهتين الرسميتين. وكان وزير التجارة عمر الباهي قد أكد في تصريح سابق ل«الصباح» أن تواصل توسع عجز الميزان التجاري في السنوات الأخيرة اجبر الوزارة على إطلاق جملة من الإجراءات، وكان أهمها تحديد قائمة تخص عددا من المنتجات الاستهلاكية التي تتطلب تمويلا ذاتيا عند توريدها بالتنسيق مع البنك المركزي، كما تم تعقيد بعض الإجراءات الديوانية للتقليص أكثر ما يمكن من توريد السلع الاستهلاكية. وأضاف الوزير في ذات التصريح انه وبفضل هذه الإجراءات تمكنت الدولة من توفير ما يناهز ال300 مليون دينار لخزينة الدولة، موضحا أن ذلك يبقى نسبيا باعتبار أن مزيد التحكم في العجز يتطلب مزيد الضغط على الواردات والعمل بالمقابل على الترفيع في الصادرات والتي على رأسها صادرات الفسفاط بعد أن سجلت تراجعا في الإنتاج، إذ صدرنا هذه السنة اقل من السنة المنقضية.. وتجدر الإشارة إلى أن عجز الميزان التجاري عموما بلغ 5.15985 مليون دينار إلى حدود شهر أكتوبر المنقضي بسبب تواصل عجز الميزان التجاري لتونس مع عدد من البلدان الخارجية على غرار الصين بما يناهز ال3.4483 مليون دينار ومع تركيا بما يناهز ال1.1826 مليون دينار ومع الجزائر في حدود ال2.1189 مليون دينار. وبما أن بلادنا مازالت تسجل عجزا في ميزانها التجاري ليس فقط مع تركيا التي تم اتخاذ إجراءات لترشيد التوريد معها، فانه من الضروري البحث عن آليات وقرارات فعلية تحد من نزيف التوريد دون الخضوع إلى الضغوطات الاجتماعية والسياسية التي تقتصر فقط على توجهات إيديولوجية دون التعمق في أصل العلة التي تلاحق توازناتنا المالية منذ سنوات وتخل من توازن مبادلاتنا التجارية مع الخارج، وهنا لسائل أن يسأل لماذا لم يقع إقرار إجراءات مثيلة تخص وارداتنا مع البلدان التي نعرف معها عجزا واسعا في ميزاننا التجاري دون الاقتصار على بلد دون غيره...