في سابقة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، يواصل الدينار التونسي انزلاقه الذي وصف ب «التاريخي» أمام العملات الأجنبية المرجعية ليعرف يوم أمس انهيارا كبيرا أمام الدولار الأمريكي بعد أن لامس عتبة ال 3 دينارات بعد أن سجل نفس المعدل منذ سنة تقريبا مقابل اليورو. وفسر العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي بأن هذا الانزلاق الخطير سيضرب أهم مفاصل الاقتصاد من استثمار وكل مبادلاتنا التجارية مع الخارج وجميع معاملاتنا المالية وخاصة المديونية التي من المنتظر أن تشهد ارتفاعا ملحوظا في كلفة الدين الخارجي ليصل مع حلول السنة الجديدة إلى أكثر من 80 بالمائة من الناتج الداخلي الخام والحال أن نسبة مديونية تونس اليوم بلغت حدود ال 71.9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ويذكر أن قيمة الدين العمومي اليوم والتي حددت في قانون المالية لسنة 2019 قد بلغت حدود ال10.2 مليار دينار، بعد ما ناهز ال4 مليارات خلال كامل سنة 2018... ويبدو أن تواصل انزلاق عملتنا المحلية سينعكس على أدائها في أسواق الصرف المحلية والدولية حيث سيكون الأداء ضعيفا ومحتشما خاصة مقابل العملات المرجعية الأجنبية على غرار الدولار واليورو، وبالتالي استمرار الأزمة الاقتصادية الهيكلية واختلال كل القطاعات الاقتصادية ذات علاقة بالوضع الاجتماعي على غرار ارتفاع نسبة البطالة المقدرة حاليا بنسبة 15.6 بالمائة بعد قرار إغلاق باب الانتدابات كليا لسنتي 2018 و2019 وحتى إلى ما بعد، فضلا عن ضعف الاستثمار الخاص الذي تراجع بنسبة 35 بالمائة في الاستثمار الصناعي وبنسبة 55 بالمائة في الاستثمار في الخدمات. كما أن تواصل انهيار الدينار التونسي ستكون له تداعيات وخيمة على جل التوازنات المالية للبلاد ابتداء بتفاقم توسع العجز التجاري الذي بلغ في الفترة الأخيرة حدود ال 16 مليار دينار بالميزان التجاري، كما سيرفع أكثر في قيمة التضخم المالي الذي ناهز ال 7.8 بالمائة، وارتفاع نسبة الفائدة إلى حدود ال 6.7 بالمائة. كذلك، يتوقع العديد من الخبراء الاقتصاديين انخفاض مدخراتنا من العملة الأجنبية التي لا تغطي إلا في حدود ال 78 يوم توريد إلى غاية يوم أمس، باعتبار أن حجم الواردات سيشهد بدوره تراجعا أمام تواصل مردودية أهم المصادر الذاتية للدولة المدرة للعملة الصعبة، وأهمها قطاع التصدير بسبب تراجع إنتاج الفسفاط بنسبة 25 بالمائة خلال السنة الجارية.. وبخصوص الأسباب التي تقف وراء تواصل انهيار عملتنا المحلية منذ ما يزيد عن السنتين، فقد فسر العديد من المتدخلين في الشأن المالي أن أهمها تلك المتعلقة بالوضعية الحرجة التي يعرفها سوق الصرف من مضاربة واحتكار وخاصة الهيكلة المالية التي ينتهجها البنك المركزي.. وفي هذا الإطار، يقترح العديد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي ضرورة إصلاح كل المشاكل الهيكلية التي طالت المنظومة الاقتصادية كالتضخم المالي الذي انعكس بالسلب على مستوى العرض والطلب في أسواقنا المحلية، فضلا عن تواصل تراجع التوازنات الخارجية المرتبطة بارتفاع العجز التجاري نتيجة ضعف نمو الصادرات في بلادنا وتراجع نمو شركائنا الاستراتيجيين كالاتحاد الأوروبي. كما أن الحكومة مطالبة في ظل تواصل انزلاق عملتنا المحلية بالتفكير في إطلاق إجراءات فعلية لإنقاذ الدينار التونسي ومنحه أكثر صلابة وقوة مقابل العملات الأجنبية المرجعية، وخاصة العمل على إنعاش قطاعات حيوية مدرة للعملة الصعبة حتى يرتفع حجم الصادرات التونسية وتتقلص وارداتها...