مقاومة الفساد والتصدى لهذه الآفة لا يمكن أن تقتصر على المصادقة على معاهدات دولية أو حملات استثنائية أو احياء لمناسبات وطنية وعالمية تحت شعار مقاومة الفساد وما يرافق ذلك من ملتقيات وندوات وجوائز وغيرها فعلى أهميتها تظل رمزية وعملا تسويقيا استعراضيا أكثر منه دلالات ومؤشرات واقعية يستشف منها قولا وفعلا إرادة سياسية وشعبية لمحاربة الفساد في وطننا. هذه مقدمة، المراد منها التذكير بأن مقاومة الفساد طريق طويلة نستطيع الجزم أننا بالكاد وضعنا ارجلنا على دربها وأيضا للتفاعل مع ما صدر عن السيد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عندما قال في تصريح إعلامي على هامش المؤتمر الثالث لمكافحة الفساد «اننا نجحنا في تونس في خلق راي عام وطني مناهض للفساد». حقيقة، يبدو تصريح الطبيب مستفزا لما تضمنه من شحنة تفاؤل مبالغ فيها وهو خير العارفين بأننا مازلنا بعيدين عن تشكل وعي مواطني وشعبي يستبطن أهمية محاربة الفساد والرشوة ويتجند الجميع للتصدى لهذه الآفة ممارسة وفعلا. وربما كان الطبيب منتشيا في غمرة إحياء ذكرى اليوم الوطني والعالمي لمكافحة الفساد الموافق ل8 ديسمبر من كل عام والواقع أنه لم يتكون بعد راي عام مناهض للفساد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. والأكيد أنه متى أصبح ذلك أمرا واقعا فسيكون ثورة حقيقية ستقلب جميع الموازين وقد تقلب عروش الكراسي على جالسيها. لسائل أن يتساءل لماذا نقول هذا الكلام؟ إن الفساد في تونس تحول للاسف إلى نمط عيش مجتمعي يعلمه الجميع ويأتيه الجميع دون استثناء بل لعلك وأنت تتقصى شبهات الفساد قد يسوقك البحث إلى ممارسات فساد تصدر عن رافعي لواء وشعار مكافحة الفساد أنفسهم. وزيادة على ممارسات وسلوكيات المواطن البسيط المنخرطة والمتكيفة طوعا وقصرا مع الفساد خلال قضاء شؤونه اليومية وحاجياته فإن التقارير الدولية ما فتئت تكشف عن الوجه الآخر للفساد في صفوف القائمين على الحكم ومن يدورون في فلكهم. وقد كشف تقرير منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" الصادر في ماي 2017 عن بعض من مظاهر ومؤشرات فساد الساسة من ذلك الإقرار بأنّ "حوالي 300 رجل ظلّوا يتحكمون في تونس ويعرقلون مسار الإصلاحات والمشاريع التنموية وفق أجنداتهم ومصالحهم الشخصية." كما حذّرت المنظمة في تقريرها الذّي يحمل عنوان "ّالانتقال المعطّل: فساد وجهوية في تونس" من أنّ «مظاهر الإثراء في المناصب السياسية والإدارية والمحسوبية والسمسرة أصبحت تنخر الإدارة التونسية والطبقة السياسة العليا في تونس واستشرت داخل الأحزاب وبلغت حتّى البرلمان التونسي» الذي أصبح «مركز التقاء الشبكات الزبائنية وأنّ عددا من النوّاب أصبحوا مختصين في السمسرة وترقية الأعمال." تؤكد كل هذه المؤشرات والتقارير انه لم تتوفر بعد الإرادة السياسية والوعي العام الوطني لمكافحة الفساد ودونهما لا يمكن الحديث عن أي نجاح في مسار يبدو طويلا وشائكا ومهددا.