طبيعة الأشياء والأدوار تفرض من حين لآخر توتر العلاقة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والتصعيد المتبادل لتحسين شروط التفاوض وجلوس الطرفين في نهاية المطاف على طاولة الحوار للتفاهم على الحد الأدنى المطلوب. ولا يمكن باي شكل من الأشكال توقع علاقة مستقرة بين الطرفين لا تخلو من هزات ومد وجزر خضعت دائما إلى منعرجات الإطار التاريخي، وعلنا اليوم نعيش فصلا من فصول هذا السجال الطبيعي والمستمر يتجسد على واجهتين الأولى في علاقة بغضب واحتجاجات الاساتذة المتواصلة والثانية تهم الإضراب في الوظيفة العمومية والقطاع العام المقرر ليوم 17 جانفي القادم. في المقابل تبدو الحكومة كما المركزية النقابية في منعرج حاسم هذه المرة يختلف جوهريا عن المحطات السابقة من «المواجهة» بينهما لا سيما على امتداد سنوات الانتقال الديمقراطي، لان طبيعة التصعيد إلى حد الآن وسياقات الأزمة لا تخلو من تداعيات سلبية على الجانبين، زد على ذلك توفر عوامل التأجيج أكثر من أصوات الدعوة إلى التعقل والهدوء لا سيما وأنه قد غاب اليوم عن خط التهدئة رئيس الجمهورية الذي لعب سابقا دورا حاسما في امتصاص الاحتقان وتقريب وجهات النظر وحتى الغاء قرار الإضراب العام كما حصل ابان وساطته بين الحكومة والاتحاد ابان معارضة قانون المالية لسنة 2017 وإلغاء الإضراب العام الذي كان مقررا في 8 ديسمبر 2016. لكن يعلم الجميع أن السياقات والرهانات تختلف حتى لا نقول أن رئيس الجمهورية يبدو مستفيدا إلى حد ما من الأزمة الراهنة. وإن كانت الحكومة تتحمل دون شك الوزر والفاتورة الأثقل من تصدع علاقتها بالاتحاد في هذه المرحلة وهي تخوض منذ فترة ردهات وجولات من معركة وجود حامية الوطيس بعد تآكل حزامها السياسي وتصدع علاقة رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية ومع حزبه الام نداء تونس الذي تحول إلى خصم ومعارض أشد راديكالية من غيره، فإن المركزية النقابية تواجه بدورها تحديات لا يستهان بها خاصة في موضوع احتجاجات الأساتذة والتداعيات الحاصلة والممكنة على صورة الاتحاد وتماسكه الداخلي اثر القرارات التصعيدية للجامعة العامة للتعليم الثانوي، بدءا بقرار مقاطعة الامتحانات وصولا إلى الحديث عن سنة بيضاء حيث صرح أمس كاتبها العام لسعد اليعقوبي أنه «على الحكومة ان تقدم مقترحات مقبولة بخصوص مطالب أساتذة الثانوي إذا كانت لا ترغب في سنة دراسية بيضاء». اجراءات تصعيدية وتصريحات رفضها جزء كبير من التونسيين ودخلت في خانة احراج المركزية النقابية أو ربما اضعافها كما يردد الكثير من المتابعين استنادا لردود الفعل المتشنجة في الكثير من الأحيان ضد نقابة التعليم الثانوي وأيضا تجاه اتحاد الشغل. عمليا نستطيع الإقرار بأن احتواء الأزمة بين الحكومة والاتحاد ممكن وفي مصلحة الطرفين والبلاد في المقام الأول وتوجد مؤشرات إيجابية على الاتجاه نحو تغليب خيار التهدئة والاحتكام للحوار نأمل أن تتوصل إلى حل دون تأجيل ودون المزيد من صب الزيت على النار قد تحترق به أصابع الجميع.