ما زالت لعبة الكر والفر السياسي متواصلة بين الحكومة من جهة، وأحزاب المعارضة و»نداء تونس» من جهة اخرى، على خلفية قانون المالية 2019 وما تضمنه من شوائب دفعت بالمعارضة لرفضه، بل ولإعادة النظر فيه حتى يتلاءم والواقع الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام. وإذ يبدو مفهوما حرص المعارضة على تقديم الأفضل لناخبيها ولعموم التونسيين عموما، فإن ما يبقى غير مفهوم هو التحاق الحزب الحاكم «نداء تونس» بصف المعارضة ومحاولته لبس ما لا يتماشى معه ليظهر الحزب مخلوقا مشوها سياسيا، غير متناغم الخطوات. فحركة نداء تونس تسعى جاهدة وبكل حرص للإطاحة بقانون المالية، لا دعما للتونسيين كما هو حال كتل المعارضة التي ترفض أية إجراءات تمس بقدرة المواطنين الشرائية، بل نكاية في الحكومة وفِي حركة «النهضة» أساسا بعد أن عجز حزب الرئيس عن الإطاحة بهما رغم محاولاته المتكررة ولعل آخرها الاستنجاد «بالحمل الكاذب» متمثلا في «عصابة الرداء الأحمر» للمس من الشاهد وحكومته. خطوة النداء بالالتحاق ب»المعارضة» دفع بالحزب الى مربع الجدل القانوني والسياسي وحتى الاخلاقي، ففي حين اعتبر عدد من القيادات الندائية انهم دخلوا مربع المعارضة بعد تغيبهم عن جلسة التصويت الأخيرة للحكومة بحجة رفضهم لها ولبقاء يوسف الشاهد على رأسها، وانقسام كتلة الحزب اثناء التصويت على قانون المالية، تأتي الوقائع القانونية والدستورية لتفند ما يزعمه النداء من انتمائه للمعارضة. ف«نداء تونس» يدرك تمام الإدراك أنه مازال مشاركا في الحكم وأن هروبه إلى الأمام وانتحاله لصفة المعارضة ماهو إلا محاولة فاشلة لإقناع الرأي العام الوطني بأنه لا يتحمل أسباب الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحاصل خلال السنوات الاربع الماضية والحال ان النداء ورئيسه هو من أتى بالحبيب الصيد أوّلا ثم بيوسف الشاهد ثانيا. فالمعارضة ليست وصفا يطلق على من ادعى انه معارضة، ذلك أن الفصول القانونية للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب حددت وعرفت «المعارضة»، فقد جاء الفصل 46 من القانون كالتالي: «يقصد بالمعارضة على معنى هذا النظام الداخلي كل كتلة غير مشاركة في الحكومة ولم تمنح بأغلبية أعضائها ثقتها للحكومة أو لم تصوت بأغلبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. - النواب غير المنتمين لكتل الذين لم يصوتوا لمنح الثقة للحكومة أو للثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها ويعدّ الاحتفاظ بالصوت رفضا لمنح الثقة للحكومة. ولا يصح التصنيف في المعارضة إلا بتقديم تصريح كتابي لرئاسة المجلس من الكتلة أو النائب المعني يفقد النائب أو الكتلة التي خرجت من المعارضة آليا المهمة المسندة إليها بصفتها تلك. ينشر التصريح المتعلق بالانتماء إلى المعارضة أو سحب الانتماء منها في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المتعلق بمداولات مجلس نواب الشعب». ويؤكد هذا الفصل على ان الانتماء للمعارضة يتطلب عدم المشاركة في الحكومة وهو ما لا يتوفر في وضعية «نداء تونس» الذي يشارك في حكومة الشاهد بنحو 9 وزراء وكاتبي دولة، بمعنى ان التحوير الوزاري الماضي كان في صالح النداء أكثر من الاطراف الحزبية الاخرى على غرار حركة «النهضة»، والتي وبالرغم من كونها تمثل الأكثرية البرلمانية، فقد تحصلت على 5 وزارات فقط... أيضا فنداء تونس لم يرفض قانون المالية برمته بل عارض بعض فصوله وتبنى فصولا اخرى وهو ما يعني ان انتماءه للمعارضة مجرد مناورة لتحقيق مكاسب سياسية. وبالعودة الى قانون النظام الداخلي للبرلمان في فصله 46، فإن الانتماء للمعارضة يتطلب بالضرورة تقديم تصريح كتابي لرئاسة المجلس من الكتلة تعلمه فيها بذلك، وهو ما لم يحصل من قبل كتلة «نداء تونس» الى حد الآن... ذلك ان الانتماء للمعارضة سيفقد الحزب رئاسته لمجلس النواب كما سيفقده منصب النائب الثاني لرئيس المجلس في الآن نفسه. «مطرقة المجلس» في الميزان وإذا كانت الوقائع القانونية في صف نداء تونس للمحافظة على ترؤسه لمجلس نواب الشعب، فإن الوقائع السياسية قد لا تكون في مصلحته، اذ يمكن في حال تفاهمت الكتل النيابية الثلاث الكبرى (النهضة والائتلاف ومشروع تونس) على ان تسحب الثقة من محمد الناصر، وهو ما يعني ضمنيا اعادة انتخاب رئيس للبرلمان ونائبيه، ففِي هذه الحالة يفقد النداء مقعدين نيابيين أساسيين وهما مقعد الرئيس والنائبة الثانية للرئيس فوزية بن فضة التي تنتمي لنفس الكتلة. ضمانات الإطاحة بالناصر وبفوزية بن فضة مكفولة قانونا وفقا للنظام الداخلي للبرلمان والذي ينص في فصله ال51 على أنه «يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس بناء على طلب كتابي معلل يقدم لمكتب المجلس من ثلث الأعضاء على الأقل. ويعرض الطلب على الجلسة العامة للتصويت على سحب الثقة من عدمها في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تقديمه لمكتب الضبط ويتم سد الشغور الناجم عن سحب الثقة بنفس طريقة الانتخاب المبينة بالفصلين 10 و11 من هذا النظام الداخلي» نيابيا يمكن للائتلاف الحاكم الجديد: النهضة ومشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني ونواب حزب المبادرة ومستقلين، أن يحيلوا محمد الناصر خارج رئاسة البرلمان وذلك لقدرة هذا الائتلاف على توفير «الخمسين زائد واحد» اَي ما يعادل 109 نواب وهو ما يتطلبه قانونيا ودستوريا إبعاد «صاحب المطرقة». وفِي رده على ما تقدم، أكد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي انه لا يمكن اعتبار النداء حزبا معارضا، أوّلا لأنه لم يحضر جلسة التصويت على الحكومة حيث ترك مكانه شاغرا، وبالتالي فإن شغور مقاعد النداء لا تعد تصويتا ب«لا» على الحكومة، كما ان الحزب لم يرفض قانون المالية كليا بل إنه صوت على البعض منه. وأضاف الخرايفي في تصريح ل «الصباح» أن «كتلة النداء لم تقدم تبريرا أو توضيحا أو مكتوبا يؤكد دخولها المعارضة وهو ما يعني أنها مازالت في الحكم». وعن وضعية رئاسة المجلس، قال الخرايفي أن «المسألة السياسية قد تدفع بالكتل النيابية الثلاث الكبرى إلى اتخاذ موقف بإعادة انتخاب رئاسة مجلس النواب» فهل تتغير المعطيات برلمانيا كما تغيرت سياسيا؟ كيف سيتعامل نداء تونس مع هذه المعادلة؟ولماذا التزمت الكتل النيابية الثلاث الصمت ازاء هذه الحالة؟