ممارسات تتعارض مع حقوق الانسان لطالما اثارت حفيظة عدد من التونسيين والحقوقيين لعل ابرزها الفحص الشرجي وفحص العذرية وممارسات يتعرض لها افراد يشتبه في كونهم مثليين جنسيا بسبب لباسهم او طريقة حديثهم او تصرفاتهم.. ممارسات تتنافى مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ولعل ما يعطي هذه الممارسات شرعيتها انها تستند الى نصوص قانونية بالمجلة الجزائية يعود تاريخ اصدارها الى سنة 1913.. فالمجلة الجزائية تتضمن عدة فصول يرى عدد من الخبراء في القانون وحقوقيون انه من شأنها الاعتداء مباشرة على حقوق الانسان والمواطنين وحرياتهم الفردية وتتعارض شكلا ومضمونا مع حقوق الانسان ومع طبيعة الاصلاحات التشريعية المتعلقة بالمساواة التي جاء بها دستور الجمهورية الثانية لسنة 2014 والذي أنشئ وفقا لمعايير دولية تقتضي احترام حقوق الإنسان.. وقد كشف في هذا الاطار وحيد الفرشيشي استاذ وعضو منظمة الدفاع عن حقوق الانسان على هامش فعاليات دورة تدريبية للإعلاميين تحت عنوان «التثقيف الجنسي الشامل»، والتي نظمتها منذ فترة الجمعية التونسية للصحة الانجابية.. اذ ان 120 شخصا مثلوا بداية من شهر جانفي 2018 الى حدود 31 اكتوبر امام المحاكم التونسية اي خلال 10 اشهر فقط من اجل الفحص الشرجي، واعتبر هذه الممارسات انتهاكات وإغراقا في امتهان الحرمة الجسدية وقال ان هؤلاء الاشخاص يتم اقتيادهم من المقاهي ومن امام المعاهد ومن الملاهي الليلية ويتم التعدي على معطياتهم الشخصية وضبط هواتفهم الجوالة وأجهزة الكمبيوتر التابعة لهم بكل ما يتضمنه من خصوصيات ثم تمارس عليهم أفظع وأبشع اساليب التعذيب لاقتلاع اعترافاتهم منهم فيمنع عنهم شرب الماء حتى لا تتغير نتائج التحاليل (مخدرات) ويتعرضون لانتهاكات جسدية ونفسية تصل الى لمس الاعضاء الحميمية.. واعتبر ان هذه الممارسات هي أساليب تعذيب تدون في محاضر الامن والتي من المفترض انها من الآليات الاساسية للإبطال الآلي لإجراءات التقاضي.. كما لاحظ الفرشيشي ان هذه الممارسات التي يتبعها رجال الامن وظروف الاستنطاق والفحوصات الشرجية والانتهاكات الجسمية والنفسية هي ممارسات تعذيب لا يمكنها ان تسقط بمرور الزمن... في نفس السياق اشار الفرشيشي الى ان هذه الانتهاكات يمكن ان تطال اي شخص اخر باسم القانون طالما توجد فصول في المجلة الجزائية تكيف فيها افعال من قبيل التجاهر بما ينافي الحياء وغيرها من الفصول التي تحمل اكثر من تأويل قد تعرض مرتكبه الى عقوبات زجرية تصل الى حد السجن.. فهل ان فصول المجلة الجزائية التي وضعت سنة 1913 مازالت تتوافق مع السياسات الجزائية للمجتمع التونسي اليوم ومع مقتضيات الدستور الجديد وهل ان العقاب بالسجن هو الحل الاجدى لمثل هذه الافعال اي الى اي مدى تتوافق السياسة الجزائية مع الافعال المرتكبة؟ تغيير المجلة الجزائية أمر لا مفر منه صرح الأستاذ ناجي البكوش استاذ القانون الدستوري وخبير في القانون ان دستور الجمهورية الثانية لسنة 2014 هو دستور تحرري وتقدمي فيه منحى تحرري ويضمن حريات عديدة ولكنه لا يتوافق مع السياسة الجزائية وأحكام بعض الفصول من المجلة الجزائية التي تأسست زمن الاستعمار.. وقال الأستاذ البكوش إن المجلة الجزائية التونسية هي ارث فرنسي من الجمهورية الثالثة الفرنسية لسنة 1885 وضعها المستعمر الفرنسي آنذاك لتخدم مصالحه الخاصة ولإحكام السيطرة على المجتمع التونسي.. لم يحاول المشرع الفرنسي في ذلك الوقت تغيير نسيج المجتمع التونسي في عاداته وتقاليده او تغيير عقليته لأن ذلك «الجمود الفكري» كان يخدم مصالحه.. من جهة اخرى لاحظ الاستاذ ناجي البكوش ان مسالة تعويض المجلة الجزائية التونسية بأخرى امر لا مفر منه لأنه بمجرد انتصاب المحكمة الدستورية سيتم الطعن بعدم دستورية عديد احكام هذه المجلة.. وبصورة الية ستوقف المحكمة الدستورية النظر في القضايا بسبب عدم دستورية القوانين مما سيؤدي الى تعطيل سير العدالة، لذلك يجب تغيير المجلة الجزائية وإيجاد تركيبة جديدة وصياغة تتوافق مع الدستور وتتماشى مع الحريات ومقتضيات العصر.. وللتذكير فان المجلة الجزائية الفرنسية لسنة 1990 تم التخلي عنها لأنها لم تعد تتماشى مع المجتمع الفرنسي ولم تعد تستجيب للعصر ومقتضياته. وأشار محدثنا الى ان الخطورة ليست في عدد الفصول التي يجب تغييرها لان المسالة تهم المجلة ككل من حيث الشكل والمضمون لكن الخطورة تتمثل في التعاريف الفضفاضة التي تتضمنها المجلة الجزائية والتي يمكن ان تشمل كل شيء.. فمسائل عدة تتطرق اليها المجلة مثل مسالة الدين والدولة والحريات وغيرها تتضمن تعاريف فضفاضة واسعة غير محددة وغير دقيقة، تتعارض ومبدأ الشرعية الجزائية الذي يفترض تعاريف دقيقة خاصة فيما يتعلق ويمس حريات الأشخاص.. على سبيل المثال تتضمن المجلة الجزائية ما يسمى بالتجريم المفتوح وهي فصول يمكن ان «نضمنها» اي فعل مثل الفصل 226 من المجلة الجزائية في مسالة التجاهر بما ينافي الحياء.. هذا النوع من التجريم يتنافى ومبدأ الحريات ويتعارض مع دستور الجمهورية الثانية... لذلك من الضروري ان يكون التجريم دقيقا والتعريف مضيقا ومحددا.. ليكون العقاب في نفس قيمة الفعل.. وهو امر مغيب في مجلة الإجراءات الجزائية. فالسياسة العقابية لا تتلاءم ونوعية الافعال التي توجد في هذه المجلة بل هناك ممارسات وانتهاكات تتعارض وحقوق الانسان والمواثيق الدولية تطبق باسم القانون، في حين تعتبرها المجتمعات الغربية حرية شخصية..