في الوقت الذي توجس فيه الكثيرون من امكانية تسجيل عمليات إرهابية بمناسبة راس السنة تم التحذير منها مسبقا من جهات مختصة في الجماعات الإرهابية، جاءت أمس الأخبار من جلمة حول نجاح عملية أمنية استباقية قضت على عدد من الإرهابيين وأفشلت مخططا لاستهداف أمن البلاد، مطمئنة بشأن جاهزية الوحدات الامنية والعسكرية ويقظتها المستمرة في ملاحقة العناصر الإرهابية وتحقيق السبق في الإجهاز عليهم وعدم البقاء في خانة ردة الفعل. وتؤكد ردود الفعل المناصرة لقواتنا الأمنية والعسكرية اثر العملية الاستباقية أمس وكذلك بعد النجاح في تأمين احتفالات راس السنة في ظروف عادية، أن درجة مخاوف التونسيين كانت جادة وأن النجاحات الأمنية قد تبدد الكثير منها على اعتبار أن العمليتين الإرهابيتين في شارع الحبيب بورقيبة وفي سبيبة التي راح ضحيتها الشهيد خالد الغزلاني أدخلت الشكوك وعمقت هواجس البعض بشأن قدرة العناصر الإرهابية على التحرك بسهولة لتنفيذ مخططاتهم. ولن تكون العملية الأمنية الاستباقية في جلمة إلا حافزا للأمنيين والمواطنين على حد السواء بأن الارهاب قد يكسب جولة وربما يؤلمنا في بعض الأحيان لكنه لن يكسر أبدا العزيمة في محاصرته وتحقيق النجاحات المستمرة في ملاحقة الارهابيين والقضاء عليهم. لكن في المقابل تعيدنا بالضرورة عملية جلمة إلى مربع الحديث عن ضرورة اليقظة المستمرة لا أمنيا وشعبيا فحسب بل استراتيجيا أيضا في علاقة بموضوع تراجع الإهتمام به مؤخرا رغم أهميته وخطورته وهو عودة الإرهابيين من بؤر التوتر. لقد احتل موضوع عودة الملتحقين ببؤر القتال وتحديدا من سوريا صدارة الإهتمام في 2017 إبان الكشف عن وجود برنامج حكومي أعدته اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب للتعاطي المجتمعي مع العائدين من بؤر التوتر يرتكز بالخصوص على إعادة إدماج أصناف من هؤلاء، يتم تحديدهم حسب الأفعال المنسوبة إليهم، في المجتمع، بعد قضاء العقوبة السجنية. وطرح البرنامج حينها جدلا واسعا لم يحسم بعد بشأن التعاطي المنهجي مع موضوع عودة الإرهابيين من بؤر التوتر، بين من يرفض عودتهم أصلا من منطلق أنهم يمثلون خطرا محدقا بأمن البلاد وبين من يتمسك بالإحتكام إلى الدستور والقانون في التعاطي معهم. ويعود الموضوع اليوم ليطرح بأكثر حدة بعد أن أصبحت التسوية في سوريا أمرا واقعا تغيرت معه المواقف والاستراتيجيات الدولية والإقليمية، وأيضا في ظل وجود تقارير تؤكد بداية عودة أفواج من الإرهابيين من سوريا باتجاه الجزائر وتونس. ويبقى السؤال المطروح ماذا أعدت الجهات المعنية بمتابعة الملف من استراتيجيات واستعدادات لتجنب المخاطر المحتملة للعائدين من بؤر التوتر على أمن البلاد داخل السجون أو في المجتمع؟