تظاهرات ثقافية كبرى ومهرجانات عديدة تبرمج في امسياتها وأصبوحاتها وحتى سهراتها وبرنامجها الثقافي الموازي (المعارض) قراءات شعرية وتدعو الشعراء ليقفوا على الاركاح صادحين مترنمين بقصائدهم منتشين بالتنافذ مع قرائهم ومريديهم وليعرفوا مدى استحسان الجمهور لإبداعهم ولحضورهم الركحي وأصواتهم. هذه الفرصة للأسف لا يتمتع بها كتاب الرواية والقصة والمسرحية المنشورة على الورق. والمتابعة اللصيقة لهذه التظاهرات وخاصة منها ذات العلاقة بالأدب والفنون بصفة عامة تبين انه يتم تغييب بقية الاجناس من برامجها لفائدة الشعر والشعراء وعند السؤال يقال لأنه يمكن لأي شاعر ان يقدم نموذجا من ابداعه وان يقرا اشعاره لأنها عادة ما تكون قصيرة بالمقارنة مع القصص والروايات وحتى المسرحيات. وفي هذا حيف كبير وإقصاء. نعتبره اقصاء لأنه يمكن لصاحب المجموعة القصصية ان يختار من مجموعته قصة قصيرة ويقدمها بصوته للحضور مثلما يقرأ الشاعر قصيدته. وقد تكون لقراءته اضافة وتأثير ثم انه لأغلب للقصاصين اليوم قصص قصيرة جدا وقصة الومضة التي يمكن ان تقرا وتناقش وتنقد في اي فضاء وفي اية امسية مثلها مثل القصيدة رغم ان الامسيات الشعرية لا تتضمن عادة حصة لمناقشة القصائد وانما يكتفي الشاعر بالقراءة والجمهور بالاستماع مما يضفي على هذه الامسيات الكثير من الملل وخاصة اذا استأثر احد الشعراء بالركح وبالمصدح لنفسه وتجاوز الوقت المخصص له على حساب من سيقرأ بعده. ومن حق كاتب المسرحية المنشورة على الورق كذلك ان يقرا على الحضور فصلا من مسرحيته ويطرحه للنقاش تماما مثلما يمكن لكاتب الرواية ان يختار فصلا من روايته او جزءا من فصل وهكذا نتمكن من العدل بين كل المبدعين ومن منح الفرص لمستحقيها علما بان هذه ليست بدعة بل هي ممارسة كانت موجودة في اغلب النوادي الثقافية والأدبية في تونس وتم تجريبها في بعض التظاهرات وبينت التجربة انها مفيدة للكاتب والقارئ معا وهنالك من مازال الى اليوم يمكّن القصاصين من فرصة القراءة امام الجمهور ولكن العدد قليل جدا. يمكن كذلك ان تمنح التظاهرات وخاصة منها ذات العلاقة بالأدب فرصة للكتابات المترجمة وللمترجمين يقدمونها للمستمعين اولا للتعريف بأعمالهم ثانيا لتكريمهم على المجهود الذي يبذلونه والذي قد لا يظهر للنور ابدا وقد لا يتداوله إلا الباحثون والمختصون. هذا اضافة الى انه يمكّن مبدعي القصة القصيرة والرواية والمسرحية والكتاب المترجم من بعض ما يحصل عليه الشعراء بعد كل امسية لا في بلادنا فقط وانما في كل البلدان وخاصة منها العربية والمقصود هنا هو تلك الحفنة من المال التي لا تغني ولا تسمن من جوع ولكنها على كل حال تفيد. صحيح ان التظاهرات الثقافية تفرد مساحة في نشاطها للقصة وللرواية (على عكس المسرحية والكتاب المترجم) ولكن الفرصة تكون من خلال قراءة نقدية خالصة الاجر او دراسة يقدمها شخص آخر.. وإذا تمكن صاحب الاثر المحتفى به من فرصة للحديث فيكون ذلك لسرد مسيرته وتجربته في الكتابة وقد لا يتمكن ابدا رغم ان التظاهرة او البرنامج باسمه من تقديم ابداعه لجمهور جاء من اجله. لذا من المفيد جدا ونحن في بداية سنة 2019 ان تبرمج التظاهرات الثقافية والمعارض جلسات ادبية يقرأ خلالها القصاصون وكتاب المسرحيات فصولا من كتاباتهم تماما مثل الشعراء ولا شيء يمنع ذلك. يمكن كذلك ان توفر الجهة المنظمة للتظاهرة نسخا مصورة للقصة او الاقصوصة او الفصل من المسرحية وتوزعها على الحضور ليستفيد الكل على نطاق واسع.