بعيدا عن الانسياق وراء الأوهام فقد كان المشهد مثيرا ومنعشا في ذات الوقت فهي المرة الأولى التي تدخل فيها شابة فلسطينية الكونغرس الأمريكي نائبة عن مواطنيها في مقاطعة ميشيغان بعد رهان حاسم، وهي المرة الأولى التي يرفل فيها الثوب الفلسطيني والكوفية الفلسطينة بزهو في مقر الكونغرس الذي أصدر نوابه أكثر من قرار معاد للقضية الفلسطينية وهي المرة الأولى التي تؤدي فيها أمريكية من أصول فلسطينية اليمين على المصحف أمام الشعب الأمريكي كنائبة في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديموقراطي ...والأمر يتعلق بالمحامية السابقة رشيدة طليب واحدة من أول مسلمتين تحقق هذا الانجاز التاريخي غير المسبوق علاوة على أنها أول امرأة من أصول فلسطينية تفرض وجودها تحت قبة الكونغرس.. رشيدة طليب التي فازت في انتخابات الكونغرس النصفية عن ولاية ميشيغان معقل الأفارقة والمسلمين من مختلف العرقيات والأقليات اختارت في هذا الحدث أن تتجمل بالثوب الفلسطيني والكوفية الفلسطينية وهي تؤدي اليمين في إصرار على إعلاء شأن الهوية الفلسطينية وتكذيب مقولة متوارثة بين سلطات الاحتلال بأن الكبار يموتون والصغار ينسون.. ولاشك أن ما تحقق لرشيدة طليب حتى الآن سيجعلها محط أنظار مواطنيها في كل خطوة وكل معركة تخوضها في الكونغرس الأمريكي حيث ليس من المتوقع أن تكون مهمتها أو مسؤوليتها هينة سواء تعلق الأمر بمنافسيها في الحزب الجمهوري ولكن وهذا الأهم من جانب أعضاء حزبها الديموقراطيين أيضا فعندما يتعلق الأمر بدعم وتأييد إسرائيل تزول الفوارق بين أهم حزبين سياسيين على الساحة الأمريكية وتتوحد مواقفهم في الدفاع عن الحليف الإسرائيلي ... طبعا هذا الجانب المضيء للحدث الذي توقفت عنده بعض وسائل الإعلام وتجاهلته الأخرى يكتسي أهمية سياسية وديبلوماسية وإعلامية ولكنه يبقى له أيضا مسؤولية إنسانية وأخلاقية وتاريخية وهي مسؤولية تفترض من صاحبته أن تكون على قدر من الوعي والنضج بقيمة اللحظة والقدرة على الاستثمار فيها من أجل لوبي عربي فاعل في المشهد السياسي الأمريكي وقادر على تفادي المطبات وتجاوز الاستفزازات والابتزازات من أجل قوة تأثير مالي وسياسي على مؤسسات صنع القرار على غرار اللوبي اليهودي واللوبي المسيحي والكوبي وغيره .. والأكيد أن كل تصريحات رشيدة طليب وتصرفاتها ستكون تحت المجهر وقد تؤلب ضدها الآلة الدعائية الأمريكية الى درجة الشيطنة.. وهنا بيت القصيد وربما يبدو من المهم التوقف عند تلك الحركة التي أقدمت عليها رشيدة طليب عندما أزالت إسرائيل من الخارطة التي على مكتبها واستبدلتها بخارطة فلسطين وليس من المفهوم ان كانت رشيدة طليب كانت تنتظر الفوز بمقعد في الكونغرس لتستبدل إسرائيل بفلسطين فتفاصيل الخبر لا تخلو من غموض يحتاج للتوضيح فمهما يكن فلا شيء يمكن أن يفرض عليها وضع خارطة إسرائيل على مكتبها وإعلان موقفها في هذه المسألة وهي الفلسطينية الأصل ورمز للجيل الثاني من أبناء المهاجرين الفلسطينيين الذين نجحوا في تحقيق أهدافهم وفرض مكانة لهم في أمريكا، وستكون رشيدة طليب صاحبة لقب أول فلسطينية تنتخب عضوا في الكونغرس الأمريكي، وهو ما يجعلها أمام مسؤولية جسيمة في كل تصريح أو موقف تتخذه لأجل قضية مواطنيها من أبناء الجالية العربية والمسلمة التي صوتت لها ولكن أيضا من أبناء وطنها الذين ينظرون إليها بكثير من الأمل .. فهي عنوان للحلم الأمريكي الذي لا يزال في بدايته باعتبارها الأخت الكبرى لأربعة عشرة من الإخوة الذين ولدوا لأبوين مهاجرين في مدينة بيت عور الفوقا من الضفة الغربيةالمحتلة وقد نافست خمسة مرشحين في ميشيغان خلال الانتخابات النصفية، وفازت بالمقعد الذي ظل حكرا على النائب جون كوينرز منذ 1965 بمعنى أنه سيتعين عليها ان تكون صوتا لكل الفلسطينيين في الكونغرس الأمريكي حيث سيطرة المتشددين والمعارضين للحق الفلسطيني المشروع ... اكتساح النائبة الفلسطينيةالأمريكية للكونغرس الأمريكي مكسب لا يستهان به وخطوة تحتاج حتما لمزيد الخطوات وهي تأتي رغم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلان صفقة القرن ونقل مقر سفارة بلاده الى القدسالمحتلة وتأتي أيضا بعد قراره إغلاق سفارة فلسطين بواشنطن ومنعه التمويلات للسلطة الفلسطينية وتجفيف منابع وكالة غوث اللاجئين وهي قرارات مناقضة للشرعية الدولية وللعدالة الدولية وسيتعين على رشيدة طليب أن تبدأ المعركة من داخل أسوار الكونغرس وأن تكسب الاختبار الأول في إقناع زملائها النواب بعدالة وشرعية القضية الفلسطينية أما المعركة الأعقد التي سيتعين عليها مواجهتها فهي دفع مسلمي أمريكا من العرب وغيرهم إلى توحيد صفوفهم وتشكيل لوبي قادر على فرض صوته وتوجهاته في المشهد السياسي.. اختبار غير محسوم سلفا ولكن سيتعين معه رفع سقف التوقعات إلى الأعلى بعد النجاح في كسر التابوهات. مرة أخرى وبعيدا عن الأوهام لقد أعادت صورة النائبة الفلسطينيةالأمريكية إلى الأذهان صورة الزعيم الراحل عرفات في الأممالمتحدة وهو يردد «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي»... وعلى رشيدة طليب ألا تسقط في الاختبار..