تعودنا أن ننظر إلى المدرسة من ناحية رؤية الكهول لمهمتها لكن لم نتعود أن ننظر إليها من ناحية حاجيات المتعلمين فيها أطفالا وشبابا وهم الذين يتكونون فيها. إذ يتكفل الكهول بتهيئة التكوين الذي يريدونه لهؤلاء الأطفال والشباب. فماذا لو اهتممنا بالمسألة من ناحية المتعلمين وعلاقة ذلك بحياتهم المستقبلية؟ مهمة التنشئة تعمل المدرسة على إكساب المتعلم المعرفة وتتولى صقل ذكائه الفطري وتهذيب غرائزه الطبيعية. وبالتوازي تعمل على تمكين المتعلم من قيم المجتمع وقوانينه السائدة ولغته وتدريبه على السلوك المطلوب منه كعضو في المجتمع في المستقبل والدور المتوقع أن يلعبه فيه. وتساعدها الأسرة والأتراب في المدرسة على ترسيخ هذا التمشي الذي يساعد على بناء الشخصية الاجتماعية لذلك المتعلم الصغير ويطلق عليه علماء الاجتماع التنشئة الاجتماعية.. والملاحظ أن هذا التمشي يخضع لواقع قواعد المجتمع التي يعيشها الكهل الضامن لتلك التنشئة فهو يعمل على تشبع الطفل أو الشاب المتعلم بثقافة المجتمع وقوانينه وتراثه بهدف المحافظة على تلك الثقافة وذلك التراث وبناء كائن اجتماعي قادر على العيش في ذلك المجتمع والتكيف مع واقعه. إن التنشئة الاجتماعية مهمة لتكوين الفرد الذي يحتاجه المجتمع والمحافظة على التراث الاجتماعي والقيمي وإكساب الطفل الأنماط السلوكية التي يرغب فيها المجتمع،لكن المتعلم اليوم محتاج إلى أن يلبي التعليم إضافة إلى التنشئة الاجتماعية حاجياته المستقبلية من وجهة نظره ومن وجهة نظر عصره المستقبلي. أي حاجيات يعتبر بعض الباحثين المعاصرين في المجال التربوي أن المدرسة اليوم تركز في تنشئتها للمتعلمين على ما يسمونه بكفايات الماضي ولا تهتم بكفايات المستقبل على أنها أساس التكوين. ولا يمكن حسب هؤلاء الباحثين أن يقتحم شباب اليوم حياتهم المستقبلية بتلك الكفايات لذلك يصطدمون عند دخولهم الحياة العملية بما لم يتعلموه في المدرسة أو بعكس ما تعلموه. وتعتبر تلك الكفايات المستقبلية هي الحاجيات الحقيقية للمتعلم. فمن الحاجيات التي لا تلبيها المدرسة وإن لبتها فلا تعطيها المكانة والأهمية التي تستحق في تكوين المتعلم نذكر منها وتقنيات التواصل مع الآخر والقدرة على الحوار والحجاج والاقناع وكفايات الخطاب أمام الجماهير، ومنها صقل الثقة والاعتزاز بالنفس ومنها التربية على توجيه يساعد المتعلمين على اكتشاف مواطن القوة والضعف فيهم ويبرز اهتماماتهم ذات الأولوية وتوجهاتهم المستقبلية ومنها الاعتزاز بالانتماء للوطن وللمجموعة الصغيرة التي تحتضنه مثل المدرسة ومنها القدرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية وحذق الكفايات الحياتية أو ما يسمى اليوم بمهارات الحياة ومنها حب التجديد وتملك الثقافة الرقمية والفكر النقدي وملكة المبادرة... إن اكتساب تلك الكفايات تساعد المتعلم على بناء كفايات أخرى مثل القيادة التي تبرز دور الشاب في المجموعة التي يعيش فيها وتؤهله لدوره في المجتمع مستقبلا وخاصة في العمل التشاركي ضمن المجموعة واكتساب تقنيات حل المسائل ضمنها ومثل السلوك الديمقراطي الذي يؤهل الشاب لممارسة حياة سياسية سليمة.. إن الربط بين حاجيات المتعلم المستقبلية وحاجيات المجتمع مهم في تكوين مواطن المستقبل وبناء شخصيته مواطنا متكافئ القدرات والكفايات جاهزا لغمار حياته الجديدة في المستفبل إن كانت مهنية أو مجتمعية حتى تلعب المدرسة دورها المواكب للتطورات والمتفاعل مع الواقع كما كانت منذ قديم الزمان رائدة التجديد في المجتمع. * باحث وخبير تربوي