لا ينظر للخطأ في المنظومة التربوية التونسية نظرة إيجابية إلى درجة أن تصنيف المتعلمين بعضهم لبعض يقوم في حالات عديدة على إحصاء الأخطاء التي يقعون فيها أثناء التعلم فالتلميذ المتميز هو الذي لا يقع في الخطأ أما السيئ فهو كثير الخطأ . وكثيرا ما تثير الأخطاء تهكم الأتراب على المخطئ مما يؤثر نفسيا على أدائه التعليمي . بينما تؤكد نظريات التعلم الحديثة على أن الوقوع في الخطأ هو بداية التعلم. التقييم والخطأ تؤكد الدراسات الحديثة وخاصة المدرسة البنائية أن المتعلم يكتسب المعرفة بمجهوده الخاص فهو الذي يبنيها ويحدد التمشي الذي به يتعلم بمساعدة وتوجيه من المدرس . لذلك يبني التقييم التكويني في العملية التعليمية نشاطه على الاهتمام بالأخطاء والنقائص ومعالجتها وإصلاحها وتجاوز الصعوبات التي تعترض المتعلم من خلالها .فهو يبني المعرفة على إصلاح الأخطاء لذلك وجبت مساعدة التلميذ الذي يخطئ ليتجاوز نقائصه ويبني معرفته عليها مما يحسن من التمشي الذهني الذي يعتمده في التعلم ويسمح بتحكمه في المعرفة . ومن جهة أخرى وفي علاقة البرمجة العصبية بالتعلَم بينت بحوث أخرى أن الخطأ أساسي للتعلم إذ لاحظوا أن الاشتغال الذهني يبنيه الانسان على توقعات يستقيها من محيطه افتراضا لكن عند الممارسة الحياتية يعدل تلك التوقعات وفق ما أفرزته ملاحظاته في محيطه وتجاربه وبالتالي يتولى تصحيح التوقعات الأولية ومعالجة الخطأ وتعويضه بالمعرفة الصحيحة . فعندما يتعود الذهن مثلا على إجابة معينة ردا على سؤال مطروح في وضعية تعلمية معينة نجده يتوقع لنفس الوضعية نفس الجواب عندما يعاد طرحها في ظرف آخر بينما الجواب في الوضعية الجديدة يختلف عن السابقة . فيتولى الذهن إصلاح ذلك التوقع ومعالجته عندما يكتشف أنه خطأ وهكذا يتعلم الذهن الإنساني من الخطأ . علما أن طريقة اشتغال الذهن الإنساني تلك تنشأ مع الفرد منذ الصغر كما أشارت تلك البحوث . كما يتعلم الفرد من انتظاراته التي يحددها قبل حدوث الوضعية التي ينتظرها وقبل التعلم فعندما ننتظر من حصة دراسية مثلا الوصول بنا إلى استنتاجات معينة ثم يحدث أن الانتظارات لم تتحقق فإن ذهن المتعلم يتولى تعديل الانتظارات وإصلاح الخطأ ليتمكن المتعلم من الاستنتاجات الصحيحة التي أفرزتها تلك الحصة . الخطأ بداية المعرفة يعتبر بعض المختصين في هذا المجال أن الانسان ينجح في تفكيره وأن المتعلم ينجح في تعليمه عندما يقع في الخطأ ويصلح نفسه فالخطأ بالنسبة إليهم ليس خروجا عن المطلوب ولا عن معايير التعلم وليس هو بالفشل ولا يحط من ذكاء الفرد وإنما بالعكس هو مفتاح التعلم . والمعرفة التي تكتسب بناء على إصلاح خطأ هي معرفة يصعب نسيانها أو العودة إليها لفهمها من جديد . ولا ننسى أن الوقوع في الخطأ عند التعلم هو مؤشر يساعد المدرس على تحديد مستويات فهم تلاميذه ليبني عليها خطة استراتيجية لتطوير تلك المستويات شيئا فشيئا . كما يساعد ذلك المؤشر على اكتشاف توقعات المتعلم للمسألة المطروحة وانتظاراته منها وسرعة المعالجة وعلى تطوير تعليم يستجيب لحاجيات هؤلاء التلاميذ الفردية. حتى قيل : إن تلميذا يخطئ هو تلميذ يتعلم اعتمادا على اعتبار الفيلسوف قاستون باشلار أن الخطأ بداية المعرفة .كما أن الأخطاء هي أهم الوسائل للتطور الذهني للتلميذ . إن الخوف من الوقوع في الخطأ على أساس أنه فشل في التعامل مع المعرفة المدرسية له نتائجه السلبية على تكوين التلميذ وتؤثر سلبا في شخصيته فعادة ما نجده يتفادى المشاركة في القسم حتى لا يقع في الخطأ ويثير استهزاء زملائه وهذا لا يكسبه الشجاعة المطلوبة عند مواجهة الآخرين في الحياة العامة ويضعف ثقته في نفسه وقدرته على تحمل المسؤولية ويؤثر في اكتسابه للمعرفة . (*) باحث وخبير تربوي