كلنا اليوم تقريبا ننقد ونشهّر ونعترض على ما يقوم به السياسيون وما تقترفه الاحزاب في حق الشعب التونسي المسالم، ونعترض على ما يسلطه راس المال الفاسد والمستكرش على تونس العليلة التي تنهش النفوس المريضة وأصحاب الاطماع في الثراء السريع عظمها بعد ان نزعت عنها لحمها. ولكننا في خضم التناحر والتلاسن وتبادل العنف بجميع انوعه وخاصة منه اللفظي لا نضع موضع السؤال فئة اخرى من التونسيين الذين يقدمون «شهادات الزور» على تاريخ تونس وينخرون بهذه الشهادات المزورة اسس وركائز الشخصية التونسية ويحركون الطوائف والجهويات والنعرات اذ يكذبون على التاريخ دون خجل وفي وجود «كبار الحومة» اي الناس الذين عايشوا عن قرب وحضروا الاحداث وكانوا فاعلين فيها او غيروا مسارها او صححوه. هذه الفئة التي خيّل لها انها قمم وأنها مراجع في غياب الرقيب الذاتي وضياع اخلاقيات التعامل النزيه مع الناس ومع الاحداث اصبحت تتجرأ على التاريخ فتكتبه بلا مصداقية وبلا معرفة وتبني كتاباتها على غير منهج ولا تلتزم بأسس وأصول البحث العلمي.. فئة تتجرأ لأنها تعتقد بأنه لا احد سيقرأ ما تنشره او يتوقف عند ما فيه من اخطاء وترهات وتزييف.. «رموز» هذه الفئة لا يرون على ما يبدو ضرورة لقراءة كتاب او بحث سابق لكتابة تاريخ لا نقول صحيح مائة بالمائة وانما يحفظ الكرامة المشتركين في هذا التاريخ. فقد لاحظنا منذ سنة 2011 والسنوات التي تلتها ان «الكل» يكتبون التاريخ ويتعسفون عليه وعلى مواطنيهم عن جهل وكما اتفق لهم وليس كما يجب ان يكون التأريخ وحفظ المعلومة وتحليلها والتعليق عليها.. هؤلاء «يوثقون» دون ان يفكروا في الضيم الذي سيلحقونه بالغير وبتونس وبالأجيال اللاحقة التي لن تجد كتبا نأمن لها وتثق في كتّابها. نفس هذه الملاحظة يمكن ان نسحبها على الكثيرين من كتاب الرواية والقصة القصيرة وحتى الشعراء الذين يسارعون الى نشر انتاجاتهم قبل ان يقرؤوا لغيرهم او يحفظوا لأهم شعراء العصر او المراجع القديمة المعترف بها الذين يرون انه لا بد من حفظ آلاف القصائد من اجل كتابة بيت جميل ويبقى في الذاكرة وتتوارثه اجيال وراء اجيال. وهنالك عدد من الكتاب التونسيين الذين استلهموا مواضيع رواياتهم عن احداث تبعت 2011 وعن الاحتجاجات وانتفاضات وعن صدمتهم في من ظنوا انهم يعملون من اجل البلاد والعباد وعن سوء مآل الثورة وأنتجوا كتبا لا هي روايات تاريخية يمتزج فيها التاريخ بالخيال ويعتمد اسلوبها الروائي على معطيات تاريخية صحيحة تعالج ابداعيا ولا هي كتب تاريخ او تأريخ لفترة من اهم فترات تاريخ تونس الحديث.. هؤلاء تواروا واختفوا وراء كلمة ابداع واخلطوا بين الاجناس وكانوا شهداء زور على التاريخ واضروا بالإبداع وبالتاريخ. ومقدمو الشهادات المزورة والكذب على التاريخ اما لا يعرفون فداحة ما اقترفوه في حق الثقافة التونسية والشعب التونسي لقلة وعيهم بأهمية الكتابة. او لأنهم يرغبون في تصفية حسابات قديمة، او من اجل المصالح الشخصية الضيقة او الرغبة في الحصول على جزء من الغنيمة حتى وان كان هذا الجزء ضئيلا وغير ذي بال بالمقارنة مع ما يلهفه «كبار مزوري التاريخ» والمستفيدين من التظليل وتغييب رموز الحقبة التي يتناولونها بالحديث او «البحث».