بعد أقل من أسبوع من دخول اتفاق الهدنة بين الاسرائيليين والفلسطينيين حيّز التنفيد مما مكّن من دخول مئات الشاحنات محمولة بضائع ومواد غذائية ومحروقات إلى غزّة المحاصر، أعادت قوات الاحتلال غلق المعابر المؤدّية إلى القطاع بدعوى الردّ على هجمات صاروخية للمقاومة، التي «انتهكت التهدئة» حسب مزاعم إسرائيلية. ولكن هل التزمت إسرائيل من جانبها بهذه الهدنة قبل تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية إفشالها؟ لقد عمد الجنود الاسرائيليون خلال هذه الفترة القصيرة في عمر التهدئة إلى اغتيال أكثر من مقاوم فلسطيني في القطاع وفي مدينة نابلس بالضفّة الغربية. وبالتالي هل أنّ إسرائيل جادّة في التزامها بالتهدئة أم أن لجوءها لهذا الحلّ الوقتي الغرض منه التخفيف من وطأة الضغوط الداخلية على رئيس الحكومة الاسرائيلية لدفعه للاستقالة ولاعلان انتخابات برلمانية مبكّرة بعد حل الكنيست أم هي تهدئة بين أولمرت زعيم حزب «كاديما» وباراك وزير حربه وزعيم حزب «العمل» لمواجهة ضغوط اليمين الاسرائيلي المتشدّد والذي طالب أكثر من مرّة على لسان أحد زعمائه بنيامين ناتنياهو بضرورة تخلّي أولمرت فورا عن منصبه لانّه فقد الاهلية لرئاسة الحكومة بعد تهم الفساد والرشاوي التي تلاحقه..؟ إنّ التهدئة من عدمها أصبحت ورقة مساومة بين أيدي القيادات الاسرائيلية والتي مهّدت في النهاية إلى نجاح رئيس الوزراء في إنقاذ حكومته من السقوط في اللحظة الاخيرة بعد اتفاق مع العماليين الذين تخلّوا عن التصويت على حلّ الكنيست. وتمّ بناء على هذا الاتفاق نزع فتيل الازمة السياسية المستفحلة في إسرائيل، مما سيمكّن زعيم حزب «كاديما» من جرعة انتعاش لفترة غير طويلة في انتظار إجراء انتخابات داخلية لاختيار المرشّح القادم لرئاسة هذا الحزب. ولان تمكّن أولمرت داخليا من تجاوز هذه الازمة والبقاء ولو لمدّة في منصبه فإنّ انهيار الهدنة مع الجانب الفلسطيني وعودة التصعيد العسكري وسياسة الحصار إلى وضعها السابق تعكس مدى هشاشة مثل هذه الاتفاقيات وعدم قدرتها على الصّمود طالما أنّ السياسة العدوانية لقوات الاحتلال أصبحت محل إشادة من قبل قيادات سياسية غربية تزلّفا لاسرائيل ولكسب ودّ اليهود في العالم حفاظا على مصالحهم ومناصبهم بالنسبة للبعض وطمعا في بلوغ سدّة الحكم بالنسبة للبعض الاخر.