ان المتتبع للساحة الثقافية بصفة عامة ولما ينتج ويعرض فيها من اعمال مسرحية بصفة خاصة يلاحظ ودون عناء يذكر بان ما يميز هذه الساحة هو تنوع التجارب فيها وقدرتها على التعايش دون اية محاولة للاقصاء . ولذلك يمكن لاي متتبع للاعمال المسرحية مشاهدة اعمال جديدة متنوعة المشارب الفنية (مسرحيات كلاسيكية واخرى تجريبية وفي اساليب فنية مختلفة المذاهب). وفي هذا المناخ التعددي أدعي بانني شاهدت أغلب ما انتج عندنا من اعمال مسرحية اقنعني بعضها في المدرسة الكلاسيكية ولم يعجبني بعضها الآخر في هذه المدرسة الفنية كما ابهرتني بعض الاعمال التجريبية ولم اقتنع ببعض التجارب والمحاولات الاخرى لاسباب مختلفة يطول شرحها وتعني كل عمل على حدة. لذلك تجدني ابحث عن الجودة في الابداع المسرحي مهما كانت الاختيارات الفنية. واعترف أولا انني تبنيت موقفا رافضا لاعمال" الوان مان شو" أو الممثل الواحد وذلك لطغيانها في السنوات الأخيرة حتى اصبحت تنتمي الى الموضة الفنية أكثر من التصاقها بالانتاج الفني. وفي هذا المجال أريد ان اشير الى اعجابي وانبهاري بعدة أعمال في هذا الشكل الفني- رغم احترازاتي الذوقية- لأنها تمكنت من بلوغ مستوى فني لا باس به بلغ درجة الابداع المسرحي. والأكيد ان تمكني من تتبع المدارس الفنية المختلفة في الانتاج المسرحي قد مكنني من الاحتماء بتلقيح عدم التعميم. ولاننا أصبحنا نلاحظ بأن أغلب هذه الأعمال يكتبها ويخرجها ويمثلها نفس الشخص وجدتني مدفوعا الى مشاهدة مسرحية " واحد منا "بما انها ارتكزت على نص مسرحي للكاتب محسن بن نفيسة وهو من الكتاب الذين كانت لهم تجارب سابقة مع الكتابة المسرحية وقد اخرجها الاستاذ المبدع منير العرقي وهو من جيل المبدعين الجدد الذين تميّزوا على الساحة وبصفة خاصة بالاعمال التي انتجوها وجلبت اهتمام المشاهد وأذكر في هذا المجال مسرحية "حديقة الشئ المعتاد" و"انطيقون" و"ليلة في حلق الوادي" اضافوا الى ساحتنا أما من قام بادوارهذه المسرحية فهو الفنان المبدع جعفر القاسمي الذي استطاع في هذه السنوات الأخيرة وبحكم ما يمتلكه من قدرات فنية جلب اهتمام المتفرج بصفة عامة وربما تكفي الاشارة في هذا الجانب الى تمكنه وخلال عرضه الاخير لمسرحية "واحد منا" من شد انتباه كل متفرجي المسرح البلدي بالعاصمة خلال اكثر من ساعتين. وحتى أكون واضحا أشيرالى انني سأحاول أن أتحدث عن هذه المسرحية من خلال رؤية مشاهد مستهلك ومتتبع لاغلب ما يقدم عندنا دون ادعاء بانني بصدد تقديم مقاربة نقدية علمية حول هذا العمل لايماني بان الاعمال الفنية تنتج خصيصا للمتفرج العادي رغم ما للنقد من دوريخص الممثل والمخرج والكاتب بصفة ادق. إذن سانطلق في الحديث عن هذه المسرحية اولا وأساسا من خلال نصها الذي رايت أو تلمست فيه حركية وامكانات ايحاء ساعدت الممثل والمخرج معا على المسك باهم خيوطه الركحية لذلك لم يشعرالمتفرج أبدا بانه امام نص أدبي جامد فيه من الخطابة ما يقيد الممثل ويلغي دور الإضاءة أوالقيافةأوهويكرردورأدوات الديكورالمبثوثة فوق الركح.. فالنص ومفرداته بقدرما كانت بليغة استعانت بقسط كبير بأداء الممثل وهذا يحسب لصالح النص لأن النص الأدبي تصل مدلولاته بالخطاب أما النص المسرحي فيصل الى المشاهد من خلال كل متممات المسرح. والأكيد ان توفرالنص على عدة ايحاءات والى جانب ذكاء المخرج والممثل قد اسهمت جميعها في اتاحة الفرصة لتشريك المتفرج في تقديم العمل المسرحي سواء كان ذلك عن طريق طرح بعض الاسئلة والايضاحات أو من خلال صعود احد الاطفال على الركح لاتمام المشهد . أما على مستوى الاخراج فقد لاحظت ومن خلال المتابعة والمشاهدة توفقا كبيرا في توظيف قراءة ركحية عميقة لعبارات النص المكتوب فوق فضاء الركح المسرحي لذلك لم يشعرالمتفرج بان أداء الممثل كان يكررالعبارة المنطوقة بل بالعكس إذ يلاحظ المتتبع تكاملا كبيرا ساهم بقسط وافر في بلورة المشهد المسرحي وترسيخه في ذهن المتقبل. والعنصر المهم في كامل العمل المسرحي هو بالتاكيد أداء الممثل والذي كان متميزا في هذا العمل من قبل المبدع جعفر القاسمي الذي تفاعل وتعامل مع كامل الادوات المسرحية بكل حنكة.. وهنا اريد ان أشير الى توصل هذه المسرحية الى اقناع جميع مشاهديها بتوفر طاقات ابداعية في التمثيل تجعلنا نمني النفس بمشاهدة اعمال مسرحية أخرى لجعفر القاسمي وأرجو ان لا يطول انتظارالمتفرج المتعطش الى المسرحيات المتميزة.