مداخل العاصمة أصبحت مصدر معاناة تونس الصباح إنطلق بداية من مستهل جويلية الجاري نظام العمل الاداري الصيفي بالحصة الواحدة، وهو إختيار قديم جدا تمليه جملة من العوامل لا في بلادنا فقط، بل في معظم بلدان العالم.
لكن هذا الاختيار على الرغم من أهميته وضرورته وحاجة الموظفين والعاملين إليه صيفا، يبقى أيضا صعبا ولا يخلو من المعاناة للذين يواصلون العمل باعتبار أنه لا يمكن لجميع الموظفين التمتع معا براحتهم السنوية . كما تنجم عن العمل بالحصة الواحدة مظاهر عدة من الصعوبات لعله يأتي في مقدمتها مشاكل حركة المرور، والاكتظاظ الذي ينجم عنها، وتحول ساعات الذروة عند الصباح، وكذلك بداية من الساعة الواحدة بعد الزوال على جل الطرقات إن لم نقل جميعها. ويبدو أن تجاوز هذا الإشكال لا يكمن فقط في تطوير وتحسين البنية الطرقية كما هو جار في تونس منذ سنوات، بل يتطلب تنويعا في الحلول، وتناسقا بينها لتكون النتيجة سهلة ومستمدة من جملة العوائق التي تبرز بخصوص ظاهرة الاكتظاظ والسيطرة عليها بالكامل. فبماذا تتسم حركة المرور مع بداية العمل بالحصة الواحدة، وأين تكون خانقة على الدوام؟ وما هي إنعكاساتها اليومية على مستعمل الطريق ؟ وما هي فرضيات حلولها التي لم يتم اعتمادها بعد؟ مشاهد من حركة المرورفي مستويات مختلفة من العاصمة بداية من الساعة السابعة صباحا والى غاية التاسعة يتدفق على وسط العاصمة أكثر من 300 ألف سيارة لترسي جميعها في الشوارع والمآوي الخاصة والعمومية. وهذا العدد الهائل من السيارات الذي يستقر بقلب العاصمة، لا يوقف حركة المرور، بل تبقى متواصلة باعتبار الغادين والرائحين على الطرقات من وسائل نقل عمومي ومسدين لأنواع مختلفة من الخدمات، وكذلك أصحاب السيارات الخاصة من السياح والمتسوقين أو القاصدين الادارات العمومية لقضاء شؤونهم. هذا هو الواقع اليومي للعاصمة والحركة المرورية بداخلها. لكن ماذا عن تفاصيل هذه الحركة وسيرها وانسيابها في كل الاتجهات؟ وماهي النقاط السوداء التي مازالت تعاني منها على مستوى الاكتظاظ؟ وكيف يعيشها المواطن يوميا؟ الصورة قد تبدو للبعض عادية، لكنّها في حقيقة الأمر معقدة جدا ومتعبة لمستعمل السيارة الخاصة، أو حتى للذي يعتمد النقل عبر الحافلات العمومية، حيث تمثل هذه الظاهرة للجميع معاناة، وأتعابا جمة، خصوصا مع أشتداد الحرارة صيفا، وخروج الموظفين عند الظهيرة. فعلى مستوى المدخل الجنوبي للعاصمة يتراءى هذا المشهد غريبا وعجيبا، ولا يملك المواطن الذي يمر من هناك الا التسلح بالصبر في طوابير طويلة من السيارات يتجاوز طولها أحيانا الكيلومترين، وتتحرك بتؤدة وبطء كبير، ولا يمكن الخروج منها وتجازوها إلا بعد نصف ساعة أو ساعة على أقل تقدير. وهذه الظاهر ة تسببها السيارات القادمة من الطريق السيارة، أو غيرها من السيارات القادمة من شتى المدن الجنوبية كالزهراء ومقرين ورادس وحمام الانف وغيرها كثير لتتجمع كلها على مستوى منطقة جبل الجلود، والطريق العلوية التي تمثل المدخل الجنوبي الوحيد للعاصمة. كما تشهد الطريق الرابطة بين العاصمة والمرسى، أو الضاحية الشمالية ككل نفس الصعوبات صباحا وعند الظهيرة، وعلى الرغم من سرعة السير عليها وحمايتها، فإن كل معتمديها يصطدمون باكتظاظ الحركة على مستوى التقاطع القريب من مطار تونسقرطاج الدولي، وتشتبك هناك الحركة، وتطول طوابير السيارات الغادية والرائحة في اتجاهي الطريق . ولا يمكن فك ظاهرة الاكتظاظ الا بعد وقت طويل وتخلي أمن المرور على اعتبار أن الاضواء المرورية لا يمكنها استيعاب وتسهيل الحركة. وقد يطول الانتظار هناك تحت شمس حارقة جدا. ضاحية سكرة.. برج الوزير ومعاناة المرور ولئن شهدت حركة المرور إنفراجا تاما وسيولة غير معهودة سواء على الطريق الوطنية الرابطة بين تونس وبنزرت، او تلك التي تؤدي الى ضاحية رواد، ولم يعد هناك ما يعطل انسيابها الى غاية المحول الجديد الذي أوشك على النهاية في مستوى مدينة الثقافة الجديدة.. فإن مظاهر الاكتظاظ اليومي واشتدادها صباحا وعند الظهر صيفا لا تزال قائمة على مستوى مدخل منطقة برج الوزير وطريق سكرة. ومما زاد الطين بلة أن طريق سكرة يشهد هذه الايام أشغال إزالة لاسفلته الفوقي، وذلك بداية من أرينة والى غاية المركز التجاري "كرفور" . وقد تسببت هذه الاشغال في مزيد اكتظاظ حركة المرور وتعطلها، خاصة في أوقات الذروة الصباحية وعند الظهر. ولعلنا نستغرب من أسباب أنطلاق الاشغال على هذه الطريق الجميلة وفي هذا الوقت بالذات، خاصة وهي تعتبر من أحسن الطرقات، ولا تتطلب تهيئة بالمرة. مواجهة ظاهرة الاكتظاظ باعتماد حلول مختلفة الإكتظاظ في مداخل العاصمة، وحتى في عديد مدننا الكبرى، مسألة قديمة، وظاهرة تتبعنا منذ سنوات. ولا يمكن تجاهل مجهودات الدولة الكبرى في مواجهة هذه الظاهرة والعمل على القضاء عليها. ولعل نسبة التطور الكبرى والنقلة النوعية التي شهدتها البنية التحتية والطرقية في بلادنا خلال العشريتين الماضيتين، وما تم عبرها من انجازات شملت طرقا جديدة ومحولات وجسورا وطرقا سيارة، وحتى جسورا معلقة مثلما يجري الآن في حلق الوادي.. لعل كل هذا يعتبر أكبر دليل على المجهود الكبير والنوعي المبذول في هذا الإتجاه، ولولاه لكانت الأوضاع ربما أصعب. لكن هذه الحلول وإن كانت كبيرة وهامة، وهي أيضا من النوع الثقيل من حيث قيمتها المادية وأساليب ومدة انجازها، فإننا نعتقد أنه لا يكفي أعتمادها بمفردها لمواجهة ظاهرة الاكتظاظ على الطرقات، خاصة باعتبار تطور الاسطول وتنوعه وبلوغه ما يناهز مليون و400 عربة. ومن هذا المنطلق فإن الحلول لا بد أن تكون متنوعة ومتعددة، وتقوم على مراجعة عديد الجوانب. فظاهرة خروج الاداريين في وقت واحد تتطلب حلولا ادارية، واعتماد الحصة الواحدة صيفا تتطلب دراسة أيضا لتغيير أوقات دخول وخروج الموظفين بجعل حيز زمني يفرق بينها. ولعل هناك أيضا حلولا أخرى عديدة يمكنها أن تحصل في مستويات مختلفة وتذيب ظاهرة الاكتظاظ على الطرقات، وتذهب بها دون عودة. فهل بالامكان الانكباب على هذه الظاهرة ودراستها بشكل عميق لايجاد حلول جذرية لها؟ ذلك ما نتمناه وربما ما يمثل مطلبا عاما في البلاد.