اختار الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، التزام الصمت، وعدم الرد لغاية الآن، على الدعوات التي تُطالبه بدعوة الشعب إلى استفتاء على التعديلات المثيرة للجدل التي شملت القانون الانتخابي، التي تحولت إلى "قضية الساعة" التي باتت تشغل الرأي العام في البلاد. وفضّل في المقابل، عدم التسرع، والاحتفاظ بالمهلة التي يمنحها له الدستور للنظر في تلك التعديلات التي تُجمع غالبية القوى السياسية على وصفها بأنها "إقصائية، وتخدم في جوهرها حركة النهضة الإسلامية"، وذلك قبل اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا بشأنها. ويمنح الدستور التونسي للعام 2014، الحق للرئيس إقرار تلك التعديلات بالتوقيع عليها، ونشرها في الجريدة الرسمية، أو رفضها وبالتالي إرجاعها للبرلمان للمصادقة عليها مرة أخرى، أو الذهاب إلى الاستفتاء، وكل ذلك في إطار آجال دستورية مُحددة. ولا يبدو أن صمت الرئيس قائد السبسي سيطول كثيرا، حيث يُنتظر أن يكون الأسبوع الجاري حاسما بالنسبة إلى هذه القضية التي تعددت فيها القراءات السياسية والدستورية، لذلك الصمت المُريب الذي أثار حديثا متزايدا عن مُقايضات دفعته إلى تمرير الوقت لإقرار تلك التعديلات بأقل الخسائر السياسية المُمكنة. وتذهب بعض القراءات القانونية إلى القول إنه مازال أمام الرئيس قائد السبسي متسعا من الوقت لإقرار موقفه النهائي، بشأن الذهاب إلى الاستفتاء من عدمه، باعتبار أن المهلة التي حددها له الدستور تنتهي مساء الاثنين، بينما تذهب قراءات أخرى إلى القول إن المهلة انتهت مساء السبت، ولم يعد أمام قائد السبسي أي خيار سوى إقرار تلك التعديلات، والتوقيع عليها. ويُدافع عن القراءة الأولى القاضي السابق بالمحكمة الإدارية، أحمد صواب، بينما يدافع على القراءة الثانية، القيادي في حركة نداء تونس، رضا بالحاج، الذي سبق له أن اعتبر في تدوينة نشرها في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الرئيس قائد السبسي "يقف اليوم أمام موعد تاريخي". ومع ذلك، تؤكد مُجمل المؤشرات على أن الرئيس قائد السبسي، لن يُرجع تلك التعديلات إلى البرلمان لقراءة ثانية، كما أنه لن يذهب إلى إقرار استفتاء حولها، ما يعني انه سيُقرها، وبالتالي التوقيع عليها ونشرها في الجريدة الرسمية. وقالت مصادر مُقربة من القصر الرئاسي ل"العرب"، إن الرئيس قائد السبسي، الذي بدا مُترددا أثناء النظر في تلك التعديلات، قد يكون حسم أمره بالموافقة عليها، وبالتالي التوقيع عليها، وذلك في قرار يُنتظر صدوره الأربعاء القادم. ودفعت تلك المؤشرات التي تراكمت عناصرها، الكثير من المراقبين السياسيين إلى الحديث عن "خطيئة خطيرة" من شأنها إرباك المشهد السياسي، وتشويه صورته، ستبدأ خطواتها الأولى بإقرار تلك التعديلات، ولن تتوقف عند حدود ومساحة ما تطرحه من "إقصاء"، بل ستتجاوزه لما يجري التخطيط له في استنساخ مشوّه لقانون الإقصاء الذي حاربه الرئيس قائد السبسي في العام 2012. مئات الآلاف من التونسيين والأحزاب والجمعيات قد وقعوا على عريضة موجهة إلى قائد السبسي، أكدوا فيها رفضهم لتغيير القانون الانتخابي ولا يستبعدون في هذا الصدد، أن يشهد الوضع السياسي في البلاد، تصعيدا ميدانيا قد يخلط الأوراق، ويفتح سجالات جديدة من شأنها إرباك المسار الانتخابي بشقيه التشريعي والرئاسي، لاسيما في هذه الفترة التي ارتفعت فيها التحذيرات من استفادة حركة النهضة الإسلامية من تلك التعديلات، وتداعيات ذلك على مُجمل العملية السياسية في البلاد. وأخذت تلك التحذيرات منحى تصاعديا، حتى أن القيادي في حركة نداء تونس، رضا بالحاج، لم يتردد في القول إن حركة النهضة الإسلامية "تعود في محاولة يائسة للانقضاض على السلطة عبر الانحراف بالمسار الانتقالي وتوجيه الانتخابات إلى حيث تريد ووضع حد لتجربة فريدة من نوعها". وبالتوازي، ذهب البعض من السياسيين إلى حد التشكيك في نزاهة الانتخابات المُرتقبة، حتى قبل تنظيمها، من بينهم سميرة الشواشي، الناطقة الرسمية باسم حزب "قلب تونس" برئاسة نبيل القروي، التي جددت رفضها لتلك التعديلات، واعتبرت في تصريحات سابقة أن تمريرها يُشكل "كارثة" على الديمقراطية، وبالتالي فإن نتائج الانتخابات إن تمت وفقا لتلك التعديلات ستكون "مزوّرة". واعتبرت أن الخروج من هذا المأزق "يستدعي استفتاء الشعب على تلك التعديلات"، لافتة في نفس الوقت إلى أن عددا كبيرا من الأحزاب، والشخصيات الوطنية وقعت على عريضة موجهة للرئيس قائد السبسي تُطالبه فيها بالذهاب إلى الاستفتاء لحسم الوضع. وكان الآلاف من المواطنين والسياسيين، والأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات قد وقعوا على عريضة موجّهة إلى الرئيس، أكدوا فيها رفضهم لتغيير القانون الانتخابي. واعتبروا في هذه العريضة التي وصل عدد الموقعين عليها أكثر من 80 ألف شخص لغاية الآن، أن التعديلات على القانون الانتخابي هي "بمثابة إفراغ للعملية الانتخابية من كل معاني التنافس والاختيار وهي منافية لكل المعايير الدولية لانتخابات ديمقراطية وشفافة وحرة وسالبة لإرادة الملايين من الناخبين والمواطنين". وطالبوا قائد السبسي "باستخدام صلاحياته الدستورية للحفاظ على وحدة التونسيين وسلامة المناخ السياسي والانتخابي، وإن لزم الأمر من خلال استفتاء الشعب حول هذه المسألة المصيرية مع الحرص على عدم المساس بالرزنامة المحددة للانتخابات".(العرب)