تلقى قطاع السياحة التونسية أمس رجة خطيرة بعد إعلان اكبر شركة عالمية لمتعهدي الرحلات «توماس كوك» إفلاسها وتوقف نشاطها نهائيا في كامل أصقاع العالم، لتخسر بلادنا كل العقود التي أبرمتها منذ شهر ماي المنقضي مع هذه الشركة العملاقة والتي تفوق حسب التقديرات الأولية ال 200 مليون دينار ستحذف من القيمة الجملية للعائدات السياحية لهذا الموسم الذي وصف بال «القياسية». وللبحث عن تداعيات هذه الرجة على قطاع السياحة في تونس والحلول المستعجلة الممكنة لامتصاص هذه الأزمة الجديدة التي تنضاف إلى اقتصادنا الوطني، توقفت «الصباح» عند عدد من المهنيين والمسؤولين في القطاع. وأفاد محمد علي التومي رئيس الجامعة التونسية لوكلاء الأسفار السابق من جهته، بأنه بالرغم من خطورة أزمة اكبر الشركات العالمية في مجال السياحة خاصة في ما يتعلق بإمكانية إصابة عدد آخر من الشركات بنفس المصير في الأيام القادمة، إلا أنها لن تؤثر كثيرا على بلادنا التي ما فتئت تسترجع معاملاتها بخطوات محتشمة مع هذه الشركة تحديدا منذ سنة تقريبا بعد توقف نشاطها لأكثر من ثلاث سنوات على خلفية العمليات الإرهابية التي حدثت في تونس واستهدفت سياحا أجانب.. وبين التومي أن أزمة توماس كوك لم تكن بالمفاجئة باعتبار أنها تعاني من صعوبات مالية منذ أكثر من ستة أشهر، مشيرا إلى انه بعد حصر ديونها التي ناهزت ال 900 مليار وإيجاد مستثمر صيني لإنقاذ هذه الشركة العملاقة لكن سرعان ما تبين فيما بعد أن هناك ديونا أخرى تم حصرها تفوق ال280 مليار، وهذه هي القطرة التي أفاضت الكأس وعمقت من أزمة الشركة لتصل بها إلى الإفلاس، حسب تعبير التومي. وابرز التومي أن هذه الضربة الجديدة التي تشهدها السياحة التونسية ستكون لها تداعيات تشبه أزمة 2015 التي غادرت فيها اكبر متعهدي الرحلات العالمية بلادنا، فضلا عن خسارة موارد هامة كانت من المفروض أن تدخل في عائدات السياحة لهذا الموسم بقيمة تفوق ال 200 مليار، مبينا أن عددا هاما من النزل والوحدات الفندقية المتضررة ستعاني من صعوبات مالية في الأيام القادمة. واقترح التومي بوصفه من مهنيي قطاع السياحة أن الحل الذي يجب أن تتخذه الجامعة التونسية للنزل هو التسريع في تعيين طرف واحد يدافع عن كل المهنيين ويعين محامين لمتابعة قضية استرجاع أموالهم في اقرب آجال خاصة أن القضية تتطلب وقتا بعد إنهاء كل مراحل التقاضي من حصر للمتلكات والأسهم وغيرها من المراحل التي تتطلبها مثل هذه الحالات من الإفلاس. وشدد محمد علي التومي في تصريحه ل «الصباح» على ضرورة إيجاد حلول للتصدي لمثل هذه الأزمات التي من شانها أن تطال السياحة، معتبرا أن هذه الرجة هي درس جديد لابد للدولة أن تتعلم منه والخروج بحلول تغير فيها إستراتيجية تسويق منتجاتها السياحية باعتبار أن أهم المشاكل التي أدت إلى إفلاس «توماس كوك» هي محافظتها على نفس الإستراتيجية في التسويق لأكثر من 600 ألف حريف عبر العالم من بينها 4500 حريف تونسي حتى تصل سنويا وبنفس هذه الإستراتيجية الى تسفير 20 مليون حريف عبر العالم. التامين على المخاطر.. مطلب ملح وفي ما يتعلق بالتأمينات التي تتعلق بمثل هذه المخاطر، بين التومي أن بلادنا لم تعتمد على آليات للتصدي لمخاطر السياحة، وهذا ما لمسناه اليوم فهامش تدخل التأمينات شمل فقط حرفاء الشركة في ما يتعلق بمتابعة تامين إيصالهم لأوطانهم دون تامين المهنيين المتضررين من هذه الأزمة الخطيرة. وحول أهمية التأمينات من مخاطر السياحة، تحدث الطيب العريبي مدير مكتب دراسات للاستراتيجيات الدولية في مخاطر مجال السياحة ل «الصباح» أن الحل بين أيدي الحكومة منذ سنة 2009 في شكل دراسة أعدها المكتب حول كيفية التصدي للمخاطر المحدقة بالقطاع على غرار الكوارث الطبيعية واستغلال السياح الأجانب ومخاطر المديونية وغيرها... لكن لم يتم الاستئناس بها رغم تعرض بلادنا للعديد من الأزمات في السنوات الأخيرة والتي كان آخرها العمليات الإرهابية التي استهدفت السياح الأجانب والفيضانات التي ألحقت أضرارا بالعديد من النزل والوحدات الفندقية في ولاية نابل. وبين العريبي أن الحكومة وجدت نفسها في كل مرة مورطة تجاه مثل هذه المخاطر وتوقفت عند هذه الدراسة من خلال عرضها في أكثر من مجلس وزاري في زمن حكومة الحبيب الصيد وحتى حكومة يوسف الشاهد ولم تفعلها بعد، وقامت فقط مع تولي وزيرة السياحة السابقة سلمى اللومي بتخصيص مبالغ لمجابهة التهديدات الأمنية والمخاطر . وأكد العريبي أن كل الأطراف المتدخلة في قطاع السياحة على اختلافها وعلى رأسها سلطة الإشراف على علم بهذه الدراسة التي تعد من أهم المشاريع التي تنتظر تفعيلها على ارض الواقع لحماية القطاع ومنه الاقتصاد من كل المخاطر التي تهدد السياحة والمهنيين.. كما استغرب العريبي في ذات السياق، من غياب الرقابة في إبرام العقود السياحية قبل الموسم السياحي بين شركات متعهدي الرحلات والمهنيين، فبعد أن كان الديوان الوطني للسياحة هو الجهة التي كانت تراقب هذه العملية انسحبت في السنوات الأخيرة وهو ما فسح المجال أمام تفشي العديد من الظواهر الخطيرة على غرار المديونية. وأشار العريبي إلى أن العقود التي تم إبرامها مع شركة «توماس كوك « في شهر ماي تمت بتدخل من سلطة الإشراف باعتبار أهمية هذه الشركة أمام بقية الشركات المتعهدة بالرحلات، وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول هذه العقود والحال أن الشركة تعاني من أزمة مالية منذ ما يزيد عن العام ونصف، حسب تعبير محدثنا. وبالرغم من تضرر عدد هام من النزل والوحدات الفندقية في تونس من الأزمة التي طالت شركة «توماس كوك»، إلا أن عددا آخر في حدود ال 12 ما بين نزل وسلسلات فندقية لم تطلها الأزمة لأنها لم تقدم على التعامل والتعاقد مع هذه الشركة التي يحوم حولها العديد من المؤشرات السلبية والتي لها علم بها من قبل.. ماذا ستقرر سلطة الإشراف؟ وأمام هذه الأزمة والتداعيات المتوقع تسجيلها في الأيام القليلة القادمة، تعقد اليوم سلطة الإشراف ندوة صحفية لتقديم كل المعطيات المتعلقة بالأزمة والحلول الفورية لاسترجاع الديون المقدرة بما يفوق ال 200 مليار، وقبل ذلك حصر وزير السياحة روني الطرابلسي أمس في تصريحات إعلامية هذه الديون بحوالي ال 60 مليون أورو فقط. وفي ما يخص علاقة تونس بهذه الشركة العملاقة، فقد استقبلت بلادنا 4500 سائح بريطاني ومازالوا والى حد اليوم في تونس يقضون عطلهم، وتتوقع استقبال 50 ألف بريطاني في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام عبر توماس كوك فقط.. وحول انهيار الشركة العملاقة، فقد فشلت كل مفاوضات اللحظة الأخيرة، التي هدفت إلى إنقاذ الشركة من الإفلاس الذي كانت آخرها طلبها مساعدة مالية من الحكومة البريطانية مما اضطرها لإعلان حالة الطوارئ التي تهدف إلى إعادة نحو 150 ألف بريطاني يقضون عطلاتهم بالخارج مع الشركة. وتعد «توماس كوك» واحدة من كبريات شركات السياحة في العالم، فقد تأسست في عام 1841 ويبلغ حجم مبيعاتها السنوية الآن 9 مليارات جنيه إسترليني. ويعمل في الشركة 22 ألف موظف، من بينهم 9 آلاف في بريطانيا، وتشغل 19 مليون عميلا سنويا في 16 دولة حول العالم. وفاء بن محمد