تنتهي اليوم الخميس المهلة التي وضعها رئيس الجمهورية قيس سعيد لتلقي مقترحات الأحزاب والكتل البرلمانية بخصوص أسماء الشخصيات التي يمكن تكليفها بتشكيل الحكومة المقبلة ورئاستها. وسط اجواء تفاؤلية ايجابية ميزت مواقف جل الأحزاب السياسية وتصريحات قيادييها تؤكد على نجاح تطبيق المرحلة الثانية من الفصل 89 من الدستور. وتستعد اليوم جل الأحزاب والكتل البرلمانية إلى تقديم مقترحاتها بشأن الشخصيات التي تراها مؤهلة لتشكيل الحكومة، على ان يجري رئيس الجمهورية لاحقا وفي غضون اليومين المقبلين مشاورات مع ممثلي الأحزاب والكتل للاتفاق على اسم الشخصية التي سيتم تكليفها رسميا لتشكيل الحكومة والإعلان عنها. على ان يكون ذلك قبل يوم 20 جانفي اي يوم الاثنين المقبل على أقصى تقدير وفقا لما تنص عليه الفقرة الثالية من الفصل 89 من الدستور. وكان سعيّد قد وجه إلى الأحزاب والإئتلافات والكتل البرلمانية منذ مساء 13 جانفي الجاري رسالة إلى الأحزاب والائتلافات والكتل البرلمانيّة لتقديم مقترحاتها مكتوبة بشأن الشّخصيّة أو الشّخصيات الّتي يرونها الأقدر على تكوين حكومة. ودعا رئيس الجمهورية في ذات الرسالة المعنيين بالأمر إلى بيان دواعي اختيار الشخصية المقترحة والمعايير الّتي تمّ اعتمادها في ذلك، وذلك قبل يوم الخميس 16 جانفي. عموما، إلى حد الآن تشير جل المؤشرات على ان المشاورات التمهيدية لاختيار رئيس حكومة جديد يحظى بتوافق واسع من جل الأحزاب والكتل البرلمانية، يمكن اعتبارها ايجابية للغاية وقد تنعكس على طبيعة المشاورات التي ستجريها لاحقا الشخصية المكلفة لرئاسة الحكومة المقبلة.. وذلك لأربعة أسباب. ثقة متبادلة يتعلق السبب الأول، بوجود مناخ من الثقة المتبادلة بين الأحزاب والكتل البرلمانية من جهة، وبين رئيس الجمهورية من جهة اخرى، بخصوص المنهجية المعتمدة في تطبيق مقتضيات الدستور. ثقة يمكن استثمارها لاحقا في طريقة اختيار الشخصية "الأقدر" وأيضا في طريقة ادارة مشاورات تشكيل الحكومة والاتفاق على طبيعتها ( وحدة وطنية، انقاذ وطني،..)، عكس طريقة الاختيار التي تمت على رئيس الحكومة المكلف السابق الحبيب الجملي التي شابتها عديد الانتقادات حتى من داخل حركة النهضة نفسها على اعتبار تأكد وجود خلافات بين مجلس شورى الحركة، ومكتبها التنفيذي بخصوص طريقة الاختيار على شخصية رئيس الحكومة. وكانت طريقة اختيار الحزب الأغلبي لرئيس الحكومة المكلف ومحاولة فرضه على هياكله الحزب الداخلية وهو ما اثبتته عدة قيادات من حركة النهضة، ثم على الأحزاب المعنية بالمشاورات السياسية لتشكيل الحكومة، وكانت سببا في تكريس مناخ من عدم الثقة بين حركة النهضة من جهة وبين بقية الأحزاب والكتل البرلمانية. وتعزز هذا المناخ السلبي والمتوتر مع فشل الجملي نفسه لاحقا في ادارة المفاوضات السياسية وعدم وضوح منهجيته في التفاوض وفي ضبط طريقة شفافة لمعالجة تطور المشاورات وتقدمها، كما انتقلت حالة عدم الثقة والريبة إلى علاقة الجملي بحركة النهضة ممثلة خاصة في رئيس الحركة راشد الغنوشي وقيادات اخرى في المكتب التنفيذي حاولت التدخل في سير المفاوضات وفرض أسماء بعينها في تشكيلة الحكومة.. اتفاق على خصال الرئيس "الأقدر" السبب الثاني، وجود شبه اجماع من قبل الأحزاب المعنية بالمشاورات السياسية لاختيار رئيس حكومة جديد وأيضا من قبل الكتل البرلمانية خاصة تلك التي صوتت ضد نيل حكومة الجملي ثقة البرلمان، على شروط ومقاييس الاختيار على الشخصية المقترحة وأيضا على خصالها، والأهم وجود اتفاق ضمني على ان يكون رئيس الحكومة المكلف يتمتع بشخصية جامعة توافقية تتوفر على قدر واف من الحيادية السياسية ومن قوة الشخصية وامتلاك حد ادى من خبرة التسيير ومن الثقافة السياسية والقدرة على تفعيل العلاقات الخارجية واعادة اشعاع تونس بالخارج.. إرادة سياسية أما السبب الثالث الذي قد يعجّل بنجاح مرحلة الاختيار على رئيس حكومة جديد قادر على تشكيل حكومة في ظرف أقل من شهر، هو وجود ارادة سياسية قوية أو هذا على الاقل ما يبدو من جل الأحزاب والكتل البرلمانية على انجاح المرحلة الثانية من تطبيق الفصل 89 من الدستور. تجلت أساسا من خلال تصريحات قياديين بارزين في الأحزاب المعنية اكثر باختيار رئيس حكومة، ومن خلال بيانات مجالسها الوطنية ومكاتبها التنفيذية مثل قرارات المجلس الوطني للتيار الديمقراطي، أو من خلال بيان المكتب التنفييذي لحركة الشعب، وبيانات حركة النهضة.. وجلها تقريبا متفقة على ضرورة إنجاح المرحلة الحالية، مع وجود استعداد معلن على توخي نوع من "المرونة" السياسية وتجنب اقصاء الآخر وشيطنته والتاكيد على ان مشاورات الاختيار والتفاوض على رئيس الحكومة أو على تركيبة الحكومة المقبلة يجب ان تكون مفتوحة للجميع دون اقصاء، باستثناء الفيتو الذي رفعته كتلة ائتلاف الكرامة ضد مشاركة حزب قلب تونس في الحكومة المقبلة. تخوف من سيناريو حل البرلمان.. السبب الرابع، وهو الأهم، هو وجود شبه قناعة لجل الأحزاب على تجنب سيناريو الدخول في مغامرة مجهولة العواقب مثل حل البرلمان والتمهيد لانتخابات مبكرة، التي قد تكون عواقبها وخيمة ليس فقط على استقرار البلاد، ولكن أيضا وجود خوف من نتائجها التي لا تكون مثل ما يشتهيه البعض ويحلم. ويبدو ان غالبية الأحزاب الوازنة في البرلمان وحتى تلك التي فشلت في الحفاظ على مقعد وحيد بمجلس النواب، فكت لو بشي من التأخير رموز رسائل الشعب التونسي، بعد الانتخابات الشريعية والرئاسية الأخيرة. وباتت الأحزاب على قناعة تامة بأن الظرف الحالي الذي تمر بها البلاد يقتضي توفر حدا ادنى من الاستقرار السياسي. فنتائج الانتخابات التشريعية لم تفرز غالبا ولا مغلوبا وأنتجت برلمانا متلونا متعددا لا يوجد فيه حزب او كتلة تدعي حصولها إلى تفويض انتخابي وأغلبية مطلقة تجعلها في موقع مريح لفرض برنامجها أو أجنتداتها السياسية.. لقاءات ومشاورات يذكر ان عدة لقاءات سياسية انطلقت منذ يوم امس بين الفاعلين السياسيين تمهيدا للاتفاق على صيغة مشتركة على طريقة تقديم أسماء الشخصيات المقترحة لرئيس الجمهورية، حتى يتم تسهيل المهمة. من بين تلك اللقاءات، لقاء جمع اول امس رئيس حركة النهضة راشد العنوشي بأمين عام حزب التيار الديمقراطي محمد عبو. ولقاء آخر جمع أمس رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي. وكشف القروي ان لقاءه مع الغنوشي كان في اطار التشاور بخصوص الاسماء التي سيتم تقديمها لرئيس الجمهورية، في اطار تقديم مرشحين لرئاسة الحكومة. واعتبر أن الوضع الحالي للبلاد لا يسمح بمواصلة التناحر بين الاحزاب، مشيرا إلى أنه من غير الممكن اليوم المواصلة في عدم الاتفاق الحاصل بين الاحزاب حول الاسماء المقترحة. وأكد على ضرورة اختيار اختيار ثلاثة شخصيات يثقق فيهم جميع التونسيين والاحزاب، في محاولة لتسهيل المسألة على رئيس الدولة. وبدأت بالفعل بعض الأحزاب والكتل في حسم مقترحاتها التي سيتم ايداعها لدى رئاسة الجمهورية اليوم الخميس، والملاحظ ان الاتجاه الغالب الذي توخته بعض الكتل والأحزاب في تقديم ثلاث أسماء مقترحة. مع وجود مساع للتوافق على اختيار ثلاثة اسماء من قبل كل من حركة النهضة، التيار، الشعب، تحيا تونس، قلب تونس.. وكتل الإصلاح والمستقبل.. من ذلك أن ائتلاف الكرامة حسم مسألة الشخصيات التي سيرشحها لمنصب رئاسة الحكومة، وسيقترح ثلاث شخصيات، وفق ما أعلن عن ذلك امس عبد اللطيف العلوي القيادي في الإتلاف. كما كشف امس، القيادي في حركة النهضة وعضو لجنة التفاوض بخصوص الحكومة الجديدة خليل البرعومي في تصريح إعلامي أن حركة النهضة اختارت بعض الاسماء سيتم طرحها على الاحزاب والكتل وأيضا سيتم عرضها اليوم على المكتب التنفيذي للحركة لمزيد النظر فيها. ورجح أن تنتظم اليوم لقاءات مع عدد من الاحزاب والكتل للاتفاق حول المقترحات التي سيتم تقديمها لرئيس الجمهورية. بدوره، أشار العربي الجلاصي القيادي في حزب التيار الديمقراطي، في تصريح اعلامي امس، على ضرورة أن يتفق ما أسماه ب"الرباعي" المتكون من حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، على أسماء شخصيات لترأس الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أن مسؤولية رئيس الجمهورية تتمثل في تسمية شخصية قادرة على تشكيل فريق حكومي يتكون من كفاءات من الجنسين، مع ضمان الاغلبية البرلمانية للشخصية التي سيعينها. وفي السياق ذاته، كشف الأمين العام لحزب تحيا تونس سليم العزابي في تصريح اذاعي، وجود تنسيق مع قلب تونس في اطار تكوين الحكومة مثلما يجري التنسيق مع أحزاب أخرى منها التيار وحركة الشعب، اضافة إلى كتلة المستقبل والإصلاح الوطني، معتبرا أنّ حزبه يمكن أن يكون همزة وصل بين جميع هذه الأطراف. وأكّد أنّ تحيا تونس ستتفاعل ايجابيا مع مبادرة الرئيس، مبديا ثقة الحزب في إختيارات رئيس الجمهورية وفي الشعب التونسي الذي صوت له بنسبة عالية وهو ما يجعله يتمتع بمصداقية كبيرة لإختيار الشخصية الأقدر. رفيق بن عبد الله