من المتوقع ان يبدا اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الاوروبي مهمة جهود الوساطة في محاولة لاطفاء لهيب الازمة المتاججة بين روسيا وجورجيا بسبب اوسيتيا الجنوبية وذلك بالتزامن مع ثالث فشل لمجلس الامن الدولي في التوصل إلى اتفاق مشترك بشان الصراع الجديد في منطقة البلقان وما يمكن ان يحمله من تداعيات امنية خطيرة على امن واستقرار كامل المنطقة اذا ما استمر اللجوء إلى لغة القنابل والدبابات بين الطرفين بما يمكن ان يزيد في حجم الخسائر المادية والبشرية وفي معاناة اللاجئين والمهجرين الهاربين من جحيم الحرب ناهيك عن احتمالات امتداد عدوى الصراع إلى اقليم ابخازيا الذي يهدد بدوره بالانفصال عن جورجيا... والحقيقة ان وتيرة الاحداث ظلت منذ اندلاع اول شرارة الحرب الخميس الماضي تتطور بنسق متسارع لا يخلو من الخطورة والتعقيد بما يجعل الملف مرجحا لكل التوقعات ولكل الاحتمالات بما في ذلك الاكثر خطورة والدخول في مواجهات قد لا تهدا قريبا. واذا كان وجه الصراع الجديد بين روسيا وجورجيا الذي ذهب ضحيته اكثر من الفين من المدنيين الابرياء خلال ايام معدودة يحمل طابعا عرقيا في ظاهره مرتبطا بارسال جورجيا الجمهورية السوفياتية السابقة والموالية للغرب قواتها إلى اوسيتيا الجنوبية الاقليم الصغيرالمؤيد لروسيا. فان كل المؤشرات تؤكد على ان الصراع اكبر مما يبدو وانه بالاضافة إلى طابعه العرقي يحمل في ثناياه الكثير من اوراق الصراعات الخفية وتنتشر معه رائحة النفط والمصالح الاستراتيجية العميقة في القوقاز وبحر قزوين ولاشك ان في دخول واشنطن على الخط لتوجيه انتقاداتها وتحذيراتها الضمنية إلى موسكو بان التدخل لا يمكن ان يظل بدون رد على حد تعبير ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي ما يمنح الصراع بعدا اخر يتجاوز حدود جورجيا وروسيا حيث تعيد نذر الحرب الجديدة إلى السطح اجواء الحرب الباردة بين الدب الروسي والعملاق الامريكي عبر رسالة مفادها ان جورجيا ليست كوسوفو وان روسيا لا يمكن ان تقبل بمنافستها على مناطق نفوذها على حدود جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بموقعها الاستراتيجي في منطقة البلقان. وفي انتظار ما يمكن ان تكشفه تطورات الاحداث فان الواضح ايضا ان واشنطن لا تزال على موقفها المتمسك بانضمام كل من جورجيا واوكرانيا إلى الحلف الاطلسي وهو ما تعتبره موسكو تهديدا لامنها ومصالحها ومحاولة اخرى لتطويقها وحصارها وجعل مشروع الدرع الصاروخي على مشارفها اشبه بالشرك الذي تسعى واشنطن لاسقاطها فيه. طبعا ستحاول روسيا بدورها استغلال الاوضاع الدولية الراهنة وما تواجهه الادارة الامريكية من صعوبات في العراق وافغانستان لاستعادة مكانتها على الساحة الدولية وتاكيد موقعها وقدراتها في الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها... في المقابل تبدو اوروبا حذرة ازاء كل خطوة تخطوها في معالجة الازمة فهي حريصة على عدم التدخل في اختبار القوة بين موسكووواشنطن وهي تدرك اهمية جورجيا الاستراتيجية بالنسبة لواشنطن وللحلف الاطلسي وقد سبق لفرنسا والمانيا خلال قمة بوخارست الاخيرة رفض منح جورجيا وضع المرشح لدخول الحلف الاطلسي بما سيجعل مهمة الرئيس الفرنسي اليوم اختبارا لايستهان به ولكن لا مجال لرئاسة الاتحاد للتهرب منه او تجاهله ...