روسيا تفطّنت إلى اللّعبة وعملت على سدّ الطريق بدعم استقلال المقاطعة هناك أسباب ظاهرة للصراع بين الغرب وروسيا على خلفية توسيع حلف شمال الاطلسي (الناتو) ليشمل جمهوريات من الاتحاد السوفياتي السابق ونشر منظومة الدرع الصاروخية في شرقي أوروبا. لكن هناك أيضا أسباب خفية لذلك الصراع نحاول أن نلخصها في هذا التحليل. حليف بوش؟ منذ وصول الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الى السلطة سنة 2003 عقب ما سمي «ثورة الورد» المدعومة من الغرب ما فتئ يحاول الابتعاد عن هيمنة روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة واستعادة السيطرة على إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية اللذين أعلنا استقلالهما من جانب واحد بدعم من روسيا بداية تسعينات القرن الماضي ورفض الغرب الاعتراف بهما. ولم يخف كذلك رغبته الشديدة في الانضمام الى حلف الناتو. هذه المواقف جعلته متهما بالولاء الشديد لجورج بوش والغرب عموما، حتى على حساب الأمن القومي لبلاده وجيرانه. الازمة وموافقة بوش من جهتها اعتبرت روسيا ما سبق تهديدا لأمنها القومي فنشأت بين البلدين أزمة حادة كادت تصل الى المواجهة المسلحة أكثر من مرة لولا تراجع جورجيا في اللحظات الاخيرة . وفي المدة الاخيرة وعلى خلفية دعم الغرب استقلال كوسوفو شعرت روسيا بالغضب الشديد لأن هذا الاستقلال يضر بصربيا ، أقرب حلفائها في منطقة البلقان. لذلك طالبت الأممالمتحدة بالمعاملة بالمثل ودعم استقلال أبخازيا وأوستيا الجنوبية اللذين يضمان اغلبية من السكان الروس. ولم تكد الامور تهدأ قليلا حتى فاجأ جورج بوش روسيا بخطوة استفزازية جديدة عندما أعلن على هامش قمة حلف الناتو في أفريل 2008 عن تأييده انضمام أوكرانيا وجورجيا الى حلف الناتو. رد الفعل الروسي اعتبرت روسيا موقف بوش تجاوزا لكافة الخطوط الحمراء لانه يعني ببساطة أن الناتو سيصبح على حدود روسيا. وعلى الفور بدأت في استخدام اكثر الاوراق قوة لديها ألا وهي اشعال فتيل الصراع مجددا داخل حدود جورجيا لعرقلة انضمامها الى حلف الناتو من جهة واحباط مخططات بوش من ناحية اخرى. ورغم أن ذلك يعني امكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين روسيا وجورجيا وبالتالي بين روسيا والغرب لكن موسكو هيأت الارضية السياسية والعسكرية كي يبقى الصراع داخل حدود جورجيا حتى تحقيق أهدافها. استفزازات سياسية وعسكرية بعد ساعات قليلة من اعلان بوش عقد برلمان اقليم أبخازيا المدعوم من موسكو جلسة طارئة طالب من خلالها الاممالمتحدة بالاعتراف باستقلال ابخازيا على غرار ما حدث مع كوسوفو. ولم يخل بيان البرلمان من لهجة حادة وتهديد اذ جاء فيه: «في الظروف السياسية الحالية ستؤدي اية محاولة هادفة الى حرمان ابخازيا من الاستقلال والسيادة الى اندلاع نزاع إقليمي مسلح واسع. وجاءت خطوة الدعم فورا من مجلس الدوما الروسي الذي دعا الى الاعتراف الفوري باستقلال ابخازيا واوستيا الجنوبية. واضافت الخارجية الروسية انها ستعيد العلاقات التجارية بشكل كامل مع أبخازيا حيث كانت منظمة دول الاتحاد السوفياتي السابق (رابطة الدول المستقلة) قد فرضت حظرا تجاريا على حكومة تبليسي واقليم أبخازيا اثر النزاع المسلح الذي اندلع بينهما سنة 1992 واضافة الى ما سبق عمدت روسيا الى اسقاط طائرة تجسس جورجية بلا طيار في أفريل الماضي كانت تحلق فوق ابخازيا وارسلت الف جندي إضافي الى هذا الاقليم لينضموا الى 2500 جندي روسي من قوات حفظ السلام الموجودة هناك منذ عام 1993 . احتجاج تبليسي هذه الخطوات اعتبرتها تبليسي انتهاكا لاتفاق وقف اطلاق النار الذي وقعته مع رابطة الدول المستقلة والاممالمتحدة سنة .1993 اما روسيا فقد تعللت بتعزيز قواتها للرد على خطط تعدها جورجيا من أجل شن هجوم على ابخازيا. واتهمت تبليسي بمحاولة جلب اقدام امريكا الى الحدود الروسية. وفي 4 ماي الماضي اشتعل الموقف عندما اعلن وزير الخارجية الابخازي عن اسقاط طائرتين جورجيتين بلا طيار فوق الاراضي التي يسيطرون عليها. وفي 6 ماي هدد وزير الدفاع الابخازي جورجيا قائلا: احذر السلطات الجورجية من أننا لا نحتاج لاكثر من بضعة ايام لدخلو كوتابسي (مدينة كبرى غربي جورجيا) ردا على العدوان الجورجي. عجز بوش والغرب يجمع المراقبون على أن الغرب لن يستطيع فعل أي شيء في حال اندلاع حرب بين جورجيا وابخازيا سوى عرقلة انضمام روسيا الى منظمة التجارة الدولية وابعادها من مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى خاصة في ظل غرق الناتو في مستنقع العراق.واضافة الى ان جورجيا لا تنوي دفع التصعيد الى المواجهة المسلحة بعد تصاعد حدة المعارضة الداخلية الشعبية ضد نظام ساكاشفيلي الذي سحق المعارضين واخلف وعوده ابان ثورة الورود، فإن اشعال فتيل التوتر عملية مدروسة من قبل روسيا للابقاء على جورجيا خارج حلف الناتو او على الاقل انضمامها دون ابخازيا واوسيتيا الجنوبية الامر الذي يتيح لروسيا الحفاظ على وجودها في منطقتي البحر الاسود وجنوب القوقاز. الاسلام «المحبوب» في تسعينات القرن الماضي حاربت روسيا بكل وحشية مسلمي الشيشان. ومع بداية هذا القرن شرع بوش في حربه المفتوحة ضد الارهاب الموجهة اساسا ضد المسلمين، الآن يتجاذب الطرفان إقليم أبخازيا فهل أن فيها اسلاما مختلفا أم إن المسألة ليست سوى مصالح يسعى كل واحد منهما الى تحقيقها؟ للتعليق على هذا الموضوع: