تونس الصباح: في اطار برنامج السهرات السينمائية لمهرجان قرطاج الدولي كان للجمهور موعد مساء امس الاول مع شريط «الجزيرة» للمخرج المصري شريف عرفة الذي قدم للسينما المصرية الجديدة منذ سنة 1987 عديد الافلام التي تتميز خاصة بواقعية خطابها وجرأته في تناول قضايا وظواهر هي من صميم واقع المجتمع المصري الحديث مثل شريط «الارهاب والكباب» وشريط «النوم في العسل» وشريط «مافيا» وشريط «عبود على الحدود» وغيرها.. «الجزيرة»! اما شريط «الجزيرة» فهو احدث افلام هذا المخرج (انتاج 2007) وهو من بطولة كل من محمود ياسين واحمد السقا وهند صبري ومن خلاله يأخذ شريف عرفة المتفرج في رحلة غوص سوسيولوجي في اعماق مجتمع الصعيد المصري اليوم حيث يسود «منطق» القوة و«الخروج» عن القانون وسلطة الدولة وحيث «تزدهر» في فجاجه وجباله تجارة المخدرات والسلاح التي تتولاها وتتوارثها عائلات بعينها في المنطقة.. وهو الواقع الذي تتغذى وتستفيد منه ايضا جماعات التطرف الديني والارهاب. اذن، فالصعيد المصري في فيلم «الجزيرة» لشريف عرفة هو غير الصعيد المصري الذي قدمته غالبا افلام ومسلسلات درامية مصرية سابقة والتي حصرته وحصرت ناسه وعوالمه وحراكه الاجتماعي والقيمي في اطار صورة فلكلورية تجمع بين السذاجة والثأر الاجرامي المتخلف. مجتمع الصعيد المصري اليوم في شريط «الجزيرة» لشريف عرفة هو من جهة ساحة من ساحات «حرب المواقع» التي تخوضها اكثر من سلطة مركزية في اكثر من بلد عربي واسلامي ضد شبكات تمويل وتسليح وتفريخ التطرف الديني والارهاب.. وهو من جهة اخرى «نموذج» مصغر لمجتمعات الجريمة والفساد والديكتاتورية في اكثر من بلد عربي واسلامي.. حكاية الشريط الشريط يروي قصة عائلة (الحفني) المتنفذة في احدى قرى الصعيد المصري التي توارث افرادها العمل في تجارة المخدرات والسلاح ونسجوا تبعا لذلك وعلى مدى سنوات طويلة علاقات مشبوهة ومصلحية مع بعض الجهات والاجهزة الرسمية التابعة للدولة!! هذه العائلة التي سيتوفى عميدها وسيخلفه على رأس ادارة نشاطها التقليدي في مجال تجارة المخدرات اصغر ابنائه (منصور الحفني) ستجد نفسها تخوض بقيادة «منصور» صراعات ومعارك مختلفة على اكثر من جبهة ولأكثر من سبب. فمن معارك مسلحة وثأرية ولاسباب تتعلق بالشرف والتنازع على الزعامة والوجاهة مع بعض العائلات الاخرى في المنطقة.. الى دموية مسلحة وفاصلة مع اجهزة الامن المركزية وذلك حين انقطع حبل «التعامل» بينهما وانتهت مرحلة «غض الطرف» من قبل السلطة على «تصرفات» وانشطة هذه العائلة.. مرورا بمعارك اخرى متفرقة مع عصابات المتاجرة بالأفيون. مجموع هذه المعارك أسبابها ومقدماتها وتبعاتها التي صنعت الجانب الدرامي بوجهيه المسأساوي والانساني في «حكاية» هذه العائلة الصعيدية المتنفذة.. وهي ذاتها (المعارك) التي صنعت الجانب الفرجوي الحي في الشريط وجعلته يبدو في بعض الفترات اقرب الى افلام «الأكشن» بالمعنى الفرجوي للكلمة.. واقعية وجرأة واثارة الخطاب السينمائي في شريط «الجزيرة» بقدر ما بدا واقعيا وجريئا ومثيرا بفعل ملامسته بفنية عالية وبنوع من الفرجوية الممتعة لقضايا هامة وخطيرة هي من صميم المعضلات التي تعاني منها اليوم المجتمعات العربية مثل قضايا الفساد والارهاب والمخدرات.. بقدر ما بدا ايضا سلسا ومؤثرا ومثقلا احيانا بكل ما هو انساني وعاطفي نبيل.. الامر الذي اصبغ على الشريط مسحة «عجيبة» يستشعرها المتفرج ويراها حتى بين ثنايا مشاهد الدم والعنف الفظيعة التي حفل بها الشريط.. انها مسحة «الأنسنة» التي جعلت من كل ابطال الشريط ورموزه و«اشيائه» تبدو جميلة وغير منفرة بما فيها الشخصيات المجرمة التي تحيل على معاني الشر والفساد والجريمة واستغلال السلطة والنفوذ.. وغيرها.. ايضا، لابد من الاشارة الى تلك الحرفية العالية التي طبعت الاداء التمثيلي لمختلف ابطال هذا الشريط المثير والجريء وعلى رأسهم محمود ياسين واحمد السقا وهند صبري وخالد الضاوي ومحمود عبد المغني.. وهم ممثلون اجيال مختلفة شبانا ومخضرمين وشيوخ.