تونس-الصّباح حاولنا في لقاء صحفي أجريناه مع رياض عبيدة رئيس «الجمعيّة التّونسيّة للمستثمرين في رأس المال» (ATC) توضيح بعض المسائل المتعلّقة بدور شركات السيّكار التي لا تزال تثير انتقاد أطراف عديدة منهم المحلّلين الماليين والباعثين أنفسهم، في المقابل أصرّ السيّد عبيدة على الإدلاء في البداية بتوضيحات معيّنة حول مفهوم «السّيكار» حيث أنّ عبارة «سيكار مخاطرة» أو «رأس مال مخاطرة» هي ترجمة من اللغة الفرنسية CAPITAL RISQUE التي هي بدورها ترجمة من اللغة الانقليزية CAPITALE VENTURE. هذه الترجمة من الانقليزية إلى الفرنسية ثم الى العربية وكأنّها تركز على مفهوم «الخطر» بينما يعبّر المفهوم الانقليزي على جوانب أكثر ديناميكية، أكثر جرأة وأكثر تفاؤل، حسب تعبير رئيس الجمعية. وفي تونس وقعت ترجمة CAPITAL RISQUE برأس مال التنمية للتركيز و التأكيد على الجوانب التنموية لمهنة الاستثمار في رأس المال وفي بعض بلدان الخليج يقع تسميتها برأس المال الجريء. بعد هذا التّوضيح في ما يلي نصّ الحوار:
الى أيّ مدى ساهم عامل مطالبة شركات السيكار الباعثين بضمانات عينيّة مقابل تمويلهم في الحد من قيام هذه الشّركات بدورها لتعتبر «سيكار بنكيّة» أكثر منها «سيكارمخاطرة»؟ من أهم تحدّيات الاقتصاد الوطني هو ضرورة الرفع من نسق إحداث المؤسسات وكذلك ضرورة انفتاح الاقتصاد على العالم الخارجي. ويتطلب هذا الانفتاح تدعيم القدرة التنافسية للمؤسسة و ذلك لا يكون إلا باعتماد مقاربة تمويل جديدة تعتمد على المرور من التمويل عن طريق الاقتراض إلى التمويل عن طريق تدعيم الأموال الذاتية للمؤسسات ويجب ضخّ هذه الأموال الذاتية بكمية كافية وبطريقة دائمة. كذلك وجب التخفيف من ثقل المديونية على المؤسسات المنتصبة حيث تصل أعباء القرض في بعض هذه المؤسسات إلى حدّ 15 و20 % من رقم المعاملات مقابل نسبة معقولة يجب أن لا تتجاوز 4% بالنسبة لشركات ذات هيكلة مالية سليمة. ويأتي هنا دور شركات الاستثمار ذات رأس مال التنمية في تدعيم الأموال الذاتية للمؤسسات الجديدة و كذلك المنتصبة. بعض الملاحظين يدّعون أنّ عددا من الباعثين يتلدّدون عند حلول اجل خروج شركة السّيكار من راس مال مشروعهم الى حدّ اللّجوء الى التّلاعب بنتائجهم الماليّة حتّى يتهرّبون من اقتناء مساهمة السيكار، فما هو مدى صحّة هذا الإدّعاء؟ الاستثمار في رأس المال هو شراكة بين صاحب فكرة مشروع واعد مع صاحب رأس مال لخوض مغامرة استثمارية وتقاسم الأرباح بعد ذلك إن وجدت. وتحكم هذه الشراكة قواعد هامة وجب على الأطراف المتعاقدة أن تكون مقتنعة بها وتحترم قانون اللعبة، بحيث يقبل صاحب رأس المال الخسارة والربح والخروج بالاعتماد على السعر الحقيقي للشركة عند التفويت كما يجب أن يلعب دوره كاملا في المرافقة والمتابعة نظرا لتجربته في عالم الأعمال بحكم قربه من المؤسسات. على الميدان، يجب أن تقع ترجمة هذه المرافقة بقدرة صاحب رأس المال أو شركة الاستثمار على مساعدة الشركة المموّلة للمرور إلى درجة أعلى من التطور، إلى اكتساح الأسواق، إلى إكسابها قدرة على السّبق وغير ذلك. كما يجب على صاحب المؤسسة من جهة أخرى أن يحترم قواعد الشفافية، أن يوفر المعلومة حول المؤسسة و أن يوفر مستلزمات حسن التنظيم والإدارة والعمل الجدّي. حيث أن صاحب المؤسسة هو المسؤول على التسيير ولكن تحتّم عليه علاقة الشراكة أن تساهم شركة الاستثمار في الحوار معه حول وضعيّة المؤسسة لإنجاحها وتطويرها. وفي هذا الصدد وجب التذكير أن دراسة المشروع أو مخطط الأعمال الذي يقع الاتفاق عليه لانجاز المشروع ليس أداة تسويق للحصول على التمويل يقع تجاهله بعد الهيكلة المالية للمشروع بل هو أداة عمل يقع مراجعتها دوريا من طرف المساهمين للنظر في سير المؤسسة ومدى قدرتها للوصول إلى الأهداف المرسومة وكذلك للتخطيط على المدى المتوسط والبعيد. ووجب التأكيد على أنه من مصلحة الباعث ومصلحة المؤسسة ربط علاقة ثقة مع شركة الاستثمار واعتبارها شريكة للمؤسسة لضمان تطويرها وديمومتها. أما إذا لم يقع احترام القواعد التي تحكم العلاقة بين شركة الاستثمار وصاحب المشروع فلا يمكن تسمية الشراكة على أنها «رأس مال مخاطرة» حقيقي. هل تعتقدون انّ توجّه تونس نحو اقتصاد المعرفة سيدعّم مستقبلا مساهمة شركات السيكار في السوق التمويليّة بتونس؟ وقع وضع مفهوم رأس مال مخاطرة على أساس تمويل المشاريع المجددة والواعدة وذات قيمة تكنولوجية عالية حيث يموّل رأس المال المخاطر مشاريع النخبة وأبطال الاقتصاد. وقد امتد مجال التدخل ليشمل أيضا المشاريع الكلاسيكية التي تتميز بالديناميكية والتجديد. والمشاريع المجددة ليست جميعها متأتية من البحث العلمي أو مشاريع تكنولوجية حيث يمكن تعريف هذه المشاريع بأنها كل فكرة جديدة يمكن أن تتحول إلى نشاط اقتصادي تتوفر له خاصّة السوق سواء كانت نتيجة ابتكار أو مشروع تقليدي حامل لفكرة جديدة مثلا في طريقة التعليب أو في التسويق أو في تحسين الإنتاجية وغير ذلك. و يقع حاليا تمويل مشاريع تنموية حاملة لمزايا تفاضلية تمثّل الأوراق الرابحة للنجاح. نعلم أنّه من المفروض ان تتمّ عمليّة خروج شركات السيكار من رأس المال عن طريق البورصة كما يجري في الأسواق المتقدمة، فلماذا اقتصرت هذه الطريقة على شركة واحدة في تونس وهي شركة «الوفاق للإيجار المالي» المدرجة بالبورصة حاليا؟ في البلدان التي سبقتنا في مجال الاستثمار في رأس المال، تختلف طريقة الخروج من المؤسسات عن ما هو موجود في تونس. مع العلم أنّه بدون وجود منظومة خروج مهمّة، لا يمكن لقطاع الاستثمار في رأس المال أن يتطور بشكل كبير. ففي فرنسا مثلا إذا أخذنا معدل إحصائيات الخروج لشركات الاستثمار خلال 3 سنوات الأخيرة، نجد أن 10 % فقط من عمليات الخروج تتم لفائدة الباعث أو مسير المؤسسة، وحوالي 16 % على البورصة، 20 % إحالات إلى مؤسسات صناعية، 27 % لفائدة شركات مالية أما ال27 % المتبقية فتقع باستعمال طرق أخرى مثل الحساب الجاري للمساهمين، التخفيض في رأس المال، رقاع قابلة للتحويل إلى أسهم و غيرها بينما تتم أكثر حالات الخروج في تونس على الباعث أو مسير الشركة. ويبقى الخروج على البورصة هي الطريقة المحبذة و لكن ليست هي الطريقة الأكثر اعتمادا بالنسبة لشركات الاستثمار في العالم. ويمثل إحداث السوق البديلة في تونس فرصة هامّة لشركات الاستثمار للمساهمة في تمويل مؤسسات تتوفر فيها شروط الشفافية، توفير المعلومة وحسن التنظيم وكذلك فرصة لإيجاد طريقة مناسبة للخروج. لماذا تلجأ شركات السيكار الى شرطي الفائض السّنوي القار ومنحة الخروج في الآن نفسه؟ لحماية باعث المؤسسة، نصّ القانون المحدث لشركات الاستثمار ذات رأس مال تنمية على ضرورة إبرام اتفاقية بين شركة الاستثمار والباعث تضبط طرق و آجال انجاز الإحالات ويقع الاتفاق مسبقا على عملية وطريقة الخروج قبل المساهمة. ويجب أن يكون العقد المبرم بين الطرفين متوازنا ويراعي مصلحة الأطراف المتعاقدة لكي يمكن تطبيقه. ويتم الخروج بالتنسيق مع صاحب المؤسسة عندما تتمكن الشركة من تكوين أرضية صلبة للمرور إلى درجات أعلى من التطور والنمو. في بعض الحالات يقع الاتفاق بين الطرفين على الخروج على أساس القيمة الزائدة الحقيقية التي يفرزها المشروع ويمكن أن يقع تحديد تلك القيمة الزائدة مسبقا دون اعتبار النتائج الحقيقية للمشروع. وفي حالات أخرى يكون الخروج على أساس نسبة قارّة عادة ما تكون ضعيفة ونسبة متغيرة حسب نتائج المؤسسة. أيضا ونظرا لأنّ عمليّات الخروج تقع بنسبة كبيرة على صاحب المشروع ونظرا لعدم إمكانية اقتناء تلك المساهمة من طرفه دفعة واحدة، يقع الاتفاق على جدولة الإحالة وذلك لتمكين الباعث من اقتناء مساهمة شركة الاستثمار (وكذلك مساهمة صندوق التطوير واللامركزية الصناعيّة FOPRODI ومساهمة نظام التشجيع على الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات RITI) على مراحل. مع الملاحظ أن تحديد جدول زمني للإحالة على مراحل لا يعني أن مساهمة شركة الاستثمار أصبحت تمثّل شكلا من أشكال القروض.