الاعلانات التلفزيونية أو الومضات الاشهارية كما اتفق على تسميتها ليست بدعة عربية إنما هي تطوّر عالمي يحدث خصوصا في الغرب ويخضع لتقنين لا سيّما فيما يتعلق بالمدة المحددة للاعلان الواحد والتي تتراوح بين الدقيقتين والثلاث دقائق.. غير أن توقيت البث يبقى رهين اتفاق مسبق بين المعلن( بضم الميم) والمحطة التلفزية. ولعل من يتابع القنوات الفرنسية على سبيل المثال- يدرك أن عملية تمرير الفواصل الاعلانية تتم بطريقة لا تدفع على الملل ولا تدعو للتأفف إذ قلّ أن يجد المتفرج نفسه مضطرا إلى متابعة سيل من الاعلانات في مدة زمنية قصيرة ومسترسلة.. بيد أن هذا الامر لا ينسحب على القنوات العربية ومنها القنوات التونسية التي انخرطت في لعبة الاعلانات حتى أصبح نجاح أي عمل برامجي مرهونا بالكم الهائل من الومضات التي تتحيّن فترات الذروة في المتابعة التلفزية لتنهال على المتلقي بلا رحمة.. هذه تروّج للياغورت وتلك للمشروبات الغازية وثالثة للعصائر ورابعة لشركات الاتصالات وخامسة للبسكويت وسادسة للشكلاطة وسابعة للمقرونة وتاسعة للشمبوان وعاشرة لمواد التنظيف.. كل ذلك وغيره مما غاب عن ذهننا ولا نستحضره من المواد الاستهلاكية والتجارية يمر في وقت واحد وبصورة متلاحقة وأحيانا يكون التوقيت المخصص للاعلانات أطول من البرنامج المنتظر لتغدو عملية الفرجة حالة من التعذيب للمشاهد تفقده التركيز من جهة وتشعره بالضجر خصوصا إذا ما كان يرقب برنامجه المفضل. تقليد جديد اعتاد المتفرج التونسي أن يتابع الاعلانات قبل انطلاق بعض البرامج التي تحظى بنسبة هامة من المتابعة كبعض المسلسلات والمباريات الرياضية غير أننا لاحظنا في الموسم الرمضاني الحالي ظهور تقليد جديد في تلفزتنا يتمثل في قطع المسلسل لتمرير ومضة اشهارية تفسد متعة المشاهدة والمتابعة. الواقع أن هذه الطريقة التي تعتمدها الكثير من القنوات العربية أكثر من مزعجة ولا يتقبّلها المشاهد بل يعسر عليه تقبّل إلحاحها وإصرارها على الظهور في الوقت الذي يكون فيه مركزا تركيزا كليا مع هذا العمل أو ذاك. نحن ندرك أن الاعلانات ضرورة لا يحق لنا رفضها لانها تعتبر مصدر دخل مهم للتلفزيون لتمويل مشاريعه ونشاطاته الفنية والبرامجية ووسيلة لزيادة ميزانيته ولكن يتوجّب على المسؤولين على هذا الجهاز إدراك واقع مهم وهو أن الربح الذي يحققونه لا ينبغي أن يحجب حق المتفرج في الاستمتاع بالعمل بلا مقاطعة.. ربح لا يمكن أن يحصل على حساب مشاهد ينكوي بنار الاعلان الذي يفسد عليه المتابعة البصرية والذهنية.