الاحتلال يغادر العراق خلال ثلاث سنوات... قد يكون في هذا الاعلان الخبر الاكثر تفاؤلا في بلاد الرافدين الا ان في الغموض المثير والتناقض الصارخ اللذين رافقا تصريحات المسؤولين في حكومة المالكي كما في ادارة الرئيس الامريكي حول عدد من النقاط المصيرية فيما اصطلح على وصفه "باتفاقية صوفا" نسبة الى مشروع الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن والتي تنتظر مصادقة البرلمان العراقي من شانه ان يجهض كل اسباب التفاؤل الهش بشان انهاء الاحتلال واستعادة العراق سيادته كاملة بل ان التسرع في تبني مثل هذه الاتفاقية دون مراجعة مسؤولة وشفافة لمختلف بنودها المثيرة للاختلافات وبمنأى عن مختلف الحسابات الضيقة والولاءات الخارجية من شانه ان يساعد على مصادرة حق السيادة للعراقيين ويعيد المشهد الامني العراقي الى النقطة الصفر بل ربما يقضي على ذلك التحسن المحدود الحاصل في بعض المحافظات العراقية التي بدات تستعيد بعض الهدوء والعافية . واذا كانت حكومة المالكي لم تدخر جهدا في ابراز مزايا الاتفاقية والترويج بانها ستزيد في تعزيز سيادة العراق فان منتقدي الاتفاقية يعتبرونها قناعا لاستمرار بقاء القوات الامريكية في العراق وتنازلا مجانيا عن سيادته وثرواته وتحديد خياراته المصيرية. وتبقى النقطة المتعلقة بحصانة القوات الامريكية من ابرز نقاط الاختلاف بشان الاتفاقية ولاشك ان تطمينات حكومة المالكي بشان تطبيق القانون العراقي في حالة ارتكاب القوات الامريكية جريمة متعمدة خارج قواعدهم في غير اوقات عملهم لم تكن كافية لالغاء الشكوك ورفع الغموض. والامر طبعا لا يتوقف عند هذه النقطة التي لا تخلو من الحساسية ذلك ان مطالبة القوات الامريكية باستخدام اجواء العراق لاتعكس وجود نية صادقة وواضحة تؤكد العمل على انسحاب مائة وخمسين الف جندي من القوات الامريكية بينهم بضع مئات من القوات الاجنبية الأخرى من العراق. وسواء اختارت حكومة المالكي ان تعجل باعلان التوصل الى الاتفاقية الامنية خلال الساعات القليلة القادمة بكل ما يمكن ان يحمله ذلك من تداعيات على مستقبل الاجيال العراقية او سواء اختارت التريث الى حين انتهاء التفويض الاممي للقوات الامريكية فان الرهان الذي تخوضه الحكومة العراقية لن يكون بالامر المحسوم سلفا. وليس سرا بالمرة ان مخاض الساعات الاخيرة العسير للاتفاقية بين واشنطن وبغداد خضع منذ البداية لضغوطات امريكية لا يستهان بها ذلك ان التوصل الى اعلان هذه الاتفاقية في مثل هذه المرحلة سيكون اخر واهم مكسب يخرج به الرئيس الامريكي جورج بوش من مغامرته غير المحسوبة في العراق قبل انتهاء ولايته الاخيرة وهو بالتاكيد مكسب لا يمكنه انتزاعه هذه المرة من الاممالمتحدة التي قد لا تجازف مجدّدا بمنح الرئيس الامريكي صكا ابيض في اخر ايام ولايته ولاسيما بعد ثماني سنوات كارثية بدات بالحرب المعلنة على الارهاب في افغانستان قبل نقل المعركة الى العراق لتنتهي بازمة مالية عالمية لا يبدو لها من مخرج حتى الان...