من النّادر جدّا في تاريخ إسرائيل الدموي الكشف عن جرائم حرب موثقة بالصورة تعود إلى سنوات «مجازر تأسيس الدولة». فقبل ستين سنة عاثت عصابات «شترن» و«الهاغانا» و«ارغون» في فلسطين تقتيلا وارتكبت مجازر فضيعة في حق المواطنين العرب العزّل ضمن عمليات إرهابية مسلحة لتهجير من تبقى من الأحياء... وكانت هذه العصابات وأعمالها الشنيعة العمود الفقري الممهد لتأسيس «الدولة الجديدة» على أرض فلسطين. ومع أنّ هذه المجازر يتتالى اقترافها على أيدي قوات الاحتلال والمتطرّفين اليهود طوال هذه العقود فإنه وللمرّة الأولى في تاريخ هذا الكيان تنشر صور توثق لعملية إعدام مسن عربي أعزل ومكبّل اليدين نفذّتها عصابات صهيونية بدم بارد في أوج نشاطها الإرهابي موفّى الأربعينات من القرن الماضي. وهذه الصور المخزية تختزل في جوهرها الفترة القاتمة من تاريخ طويل حافل بالمجازر تحرص إسرائيل على إخفائه بل وتنفي وجوده أصلا في محاولة يائسة لتزوير الحقائق والإيهام بأنّها محل تهديد دائم من قبل أجوارها لاستهدافها وتدميرها. إنّ صورة المسنّ العربي وأحد أفراد العصابة الصهيونية يقوم بتعصيب عينيه ثمّ يرفع أحدهم سلاحه على بعد أمتار قليلة... ثمّ صورة جثّة العربي ملقاة على الأرض مضرّجة بالدّماء... وابتسامة عريضة تلوح على وجوه المحيطين به هي الصورة الحقيقية لهذا الكيان الهجين الذي صنعه الغرب ووفّر له من المساندة السياسية والسّلاح ما يكفي ليقتل ويدمّر ويهجّر وهي كذلك الصّورة المخفية التي لا تريد إسرائيل ولا الغرب رؤيتها إطلاقا. وليس ببعيد من صورة هذا المسنّ العربي التي مرّ عليها أكثر من ستين عاما تطالع الرأي العام العالمي ومحبّي السّلام اليوم صور لا تختلف كثيرا عنها قادمة هذه المرّة من عكّا حيث يعيد التاريخ نفسه بعد أحقاب من الزمن وتعود عصابات المتطرفين وإن حملت أسماء غير «الهاغانا» و«ارغون» و«شترن» لتطارد وتعنّف... وتدمّر المساكن والمحلات التجارية على رؤوس من فيها من عرب فلسطين وتعيد إلى الذاكرة مآسي الفلسطينيين قبل وبعد النكبة لتؤجّج هذا الصراع وتغذيه من جديد لسنوات. وما على ذاكرة التاريخ إلا تسجيل هذه الوقائع ليتباهى بها المتطرّفون جيلا بعد جيل... وليتناساها سريعا بعض العرب...