في ظلّ تنامي ظواهر وتوجّهات وممارسات تغذّي التعصّب بين الأديان والثّقافات وتصعّد المواجهة بين الأمم وحتّى صلب المجتمع الواحد يتنزّل الاجتماع الدولي الذي يحتضنه مقرّ الجمعية العامّة للأمم المتحدة هذه الأيام حول الحوار بين الأديان بمبادرة سعودية وبرعاية أممية. لقد غذّت كلّ أشكال التطرّف سواء الدينية أو العرقية أو ذات الطابع العنصري حالة من الصّدام بين المجتمعات والأفراد وأججت توتّرات بلغت حد الإستهتار بالمقدّسات واستباحة المحظور وساهمت في خلق بؤر نزاع وصدامات مسلّحة في العديد من البلدان. إنّ مصادرة الحرّيات وإلغاء الآخر والسعي إلى نفي الإختلاف تتعارض جوهويا مع مبدإ التعايش السلمي وتحقيق الاسقرار للشعوب وتكريس القواسم الإنسانية المشتركة المرتكزة على التّسامح والمساواة واحترام الأديان والثّقافات المتعدّدة باعتبارها قيما كونية تؤسس للحوار بين الشعوب والأمم وتعزّز الشراكة بين المجتمعات البشرية وتبني لعالم يسوده السّلام والوئام. لقد تعدّدت القمم العالمية والمؤتمرات الدولية منذ استفحال ظاهرة الإرهاب وبروز ظواهر مجتمعية تناصب العداء لحق الاختلاف وحرّية المعتقد.. ولئن ساهمت هذه اللقاءات الدولية في ترسيخ مبدإ الحوار والاتفاق حول العديد من المفاهيم الكونية بما في ذلك اعتبار الخصوصيات الثّقافية والدّينية عامل إثراء للحضارة الإنسانية وحافزا لتوسيع التعارف بين الشعوب ورافدا من روافد احترام حقوق الإنسان فإنّ كرامة عديد الشعوب والأقليات ماتزال تداس نتيجة ممارسات إرهاب الدولة والإيديولوجيات المتطرفة أو بدعوى حرّية الرّأي والتعبير. وفي هذا السّياق فإنّ ما تقترفه قوات الإحتلال الإسرائيلي في حقّ الشعب الفلسطيني يرتقي إلى جرائم ضدّ الإنسانية بإصرارها على القتل والتدمير والمحاصرة الاقتصادية الجائرة واستهتارها بأبسط القواعد المحرّمة لأشكال الاذلال والتّعذيب والتّجويع ضاربة عرض الحائط بجميع المواثيق الأممية المنادية باحترام الحقوق الجوهرية للإنسان في الصحّة والتعليم والتنقل والحياة الكريمة. وبالتّوازي مع هذه الجرائم تطالع المرء من حين إلى آخر ظواهر تعصّب واستخفاف بالمقدّسات والأديان حيث كثيرا ما روّجت بعض وسائل الإعلام الغربية وخصوصا الأوروبية منها صور ومقالات تستخفّ بديننا الحنيف دين الاعتدال والتّسامح يضاف لذلك ما تتعرّض له عديد الجاليات المهاجرة من ممارسات عنصرية يندى لها الجبين في بلدان تأسست مجتمعاتها على مبادئ الحرّية وتقديس الحقوق الفردية والجماعية. إنّ الطريق أمام الإنسانية مازال شائكا وطويلا لترسيخ مبادئ العدالة والتّسامح واحترام الآخر، ومثل هذا الاجتماع الدّولي حول حوار الأديان والثّقافات قد يعزّز التوجه نحو مستقبل يسوده العدل والأمن بدل الظلم والخوف والعنف والتعصّب.