مخاطر صحية وتلوّث بيئي بسبب بعض «المهن المبتكرة»! تونس الصباح: عاشت العاصمة أول أمس في كافة أحيائها، على وقع الفرحة بيوم عيد الاضحى المبارك. وهي مناسبة دينية سمحة لها عاداتها وتقاليدها المتمثلة بالأساس في نحر الأضاحي. وإذا كان للمناسبات والأعياد الدينية الأخرى خصوصياتها، وطرق الاحتفاء بها، فإن عيد الاضحى يمثل التقاء كل فئات المجتمع حول الاهتمام بالأضحية وشرائها، وذبحها يوم العيد في جو تلتقى فيه العائلة، ويكون عنوانها لالتقاء الاوساط العائلية من خلال تزاورها وبالتالي الاشتراك في الفرحة بالعيد، وعيد الإضحى بكل هذه الجوانب يبقى من أبرز الأعياد الدينية التي تكتنف كل أفراد المجتمع بما يجمعهم من فرحة. وهذه الفرحة التي يتخللها القيام بذبيحة في كل منزل تقريبا رغم بعدها الديني السمح والاجتماعي الدال على التكاتف والتعاون والتحابب والتزاور، فإنها لا يخفى على أحد أنها تترك وراءها مخلفات جد صعبة على مستوى البيئة والمحيط خاصة داخل العاصمة والمدن الكبرى، وذلك بفعل التجاوزات الكثيرة في التعامل مع الذبائح وبقاياها. وهذه الظاهرة ما انفكت تتزايد من سنة إلى أخرى بفعل تزايد عدد السكان والعائلات. فما هي أبرز هذه المشاكل التي تنتج عن عادات عيد الإضحي، هل تطور الحس الاجتماعي بخصوص التعامل مع ذبائح العيد أم زاد إمعانا في اللامبالاة والتهور؟ لماذا لم تتخذ إجراءات بلدية للحد من مظاهر هذا التسيب خاصة داخل المدن؟ وهل من الصعب أتخاذ مثل هذه الاجراءات أو الحد منها على الأقل؟ ذبائح في الشوارع والأزقة والبطاح والحدائق العمومية بداية من الساعة التاسعة صباحا من يوم العيد، وعبر كل الأحياء على اختلاف أنماط سكانها والفئات الاجتماعية التي تقطنها، ينصرف الجميع إلى ذبح أضاحي العيد... ومن خلال جولة بسيطة داخل هذه الأحياء يتجلى لك هذا المشهد بكل تفاصيله على اعتبار أنه يمارس في كل ناحية ومكان، وأينما توجهت. فالبعض الذين ضاق بهم المكان، تجمعوا وسط الشوارع وراحوا يذبحون خرفانهم، والبعض الأخر أختار حديقة منزله، وآخرون إلتجِؤوا إلى البطاح والساحات العمومية. ويتوزع هذا المشهد في مظاهر مختلفة قد لا نأتي على ذكرها ووصفها نظرا لتفنن المواطنين في اعتمادها. ولعل الأغرب من كل هذا أن سكان العديد من العمارات، اختاروا لكثرة ما ضاقت بهم السبل في التعامل مع كبش العيد، أن يتولوا ذبحه في الأدواش، أو دورات المياه أو عمد بعضهم إلى ذبحه في بيت الاستحمام؟؟؟. هذه المظاهر في الحقيقة تبقى "مقرفة" وخطيرة، وهي تعكس في جوهرها لامبالاة المواطن، وتجاهله للبعد الصحي، ولما يمكن أن ينجر عن هذه الأفعال من أخطار تتصل بالبيئة والمحيط وبتفشى الأمراض، وتسربها في المحيط، لكن هذا الأمر يزاداد في كل سنة وطءا، بتزايد عدد العائلات والأضاحي، وبمظاهر التجاوزات التي تتخذ جملة هذه الاشكال التي أشرنا أليها. دماء وفضلات مبعثرة.. في متناول الحيوانات.. وتحت أقدام المارة والأطفال عمليات الذبح العشوائي للأضاحي، وممارساتها في كل الأماكن، علاوة عن مظاهرها المشينة، تخلف وراءها أيضا بركا من الدماء التي تتلطخ بها الشوارع والبطاح والأزقة والحدائق، وتسيل في مجارى المياه، ونعتقد أن في بقاء هذه الدماء في الهواء الطلق هناك مخاطر جمة على صحة الجميع، حيث تكون ملتصقة بأحذية المارة، وفي أماكن لعب الأطفال، وتلعقها الحيوانات من قطط وكلاب سائبة. ولاشك أن في كل هذا خطرا على صحة الجميع، وعلى المحيط الذي يبتلى بكم هائل من الدماء التي يمكنها أن تتعفن بسرعة وتتحول إلى جراثيم فتاكة وخطيرة. وكل هذه الممارسات تحصل يوم العيد، ويشترك فيها الجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية والعلمية، لكن لا أحد حذر من مخاطر هذه العمليات، وما يمكن أن تتسبب فيه لكل واحد منا. فلا الوسط الصحي ولا البيئي ولا البلديات ركزت اهتمامها على هذا الجانب وحذرت من مخاطره. ونحن لا نملك إلا أن نسأل الى متى سيتواصل السكوت عن هذه التجاوزات وما يمكن أن ينجر عنها من أخطار. فهل قدر أحد ما يمكن أن تتسبب فيه عملية ذبح مئات الآلاف من الخرفان في يوم واحد؟ وهل حصلت دراسات لمعرفة ما يمكن أن ينجر عن ذلك من خطر لو حملت بعض هذه الذبائح أخطار وبائية أو جرثومية؟ فإلى متى ستتواصل هذه المظاهر والخروقات التي تتخللها؟ وهل من خطط وبرامج توعوية وحتى زجرية لحمل الناس على احترام البيئة والمحيط الذي يتنفسون هواءه، ويعيشون داخله، لكن أيديهم تمتد لتلويثه؟ سحب دخان تنبعث من كل الشوارع والساحات وتجاوزات أخرى لا تقل خطرا الظاهرة الأخرى التي تكتمل معها مظاهر التجاوزات والخطر والعبث يوم العيد، هي ما تعلقت بألئك الذين ينتصبون في كل مكان ليقوموا ب شوشطة" رؤوس وقوائم الخرفان، فهؤلاء لا يتوانون في إيقاد النيران باعتماد الحطب، أو بقايا اللوح للقيام بعملهم، كما أن بعضهم عمد إلى اعتماد قوارير عاز وكوانين كهربائية للقيام بذاك العمل الذي يدر عليهم أرباحا كبيرة. لكن هؤلاء لا يحفلون بما يأتونه من اعتداء على البيئة من ينفثونه من دخان في الفضاء، حد تكوين سحابة داكنة في كل الجهات. كما أن بعضهم الذي يتعامل باعتماد قوارير الغاز، أو الكوانين الكهربائية لا يقدرون الخطر الذي يمكنه أن ينجم عن فعلهم هذا. وكل هذا يجرى على مرآي ومسمع من البلديات وأعوان الأمن، ولا أحد نبه أو نهر أو أوقف مثل هذه الأفعال التي يمكنها أن تتسبب في حرائق خطيرة أو إزهاق أرواح بشرية في غفلة وتساهل من الجميع؟ نعتقد أنه قد آن الأوان للتدخل، وحمل الناس على تجاوز هذا الذبح العشوائي والتصرفات المشينة التي يأتونها، وكذلك جملة التجاوزات التي تنجر عن ذلك، وخاصة ممارسة تلك المهن الهامشية التي تظهر يوم العيد، وأيضا ما يعانيه عمال البلديات من معاناة في جمع الفضلات التي تتناثر في كل مكان. ولعلنا نتجه هنا باللائمة على قطاع حفظ الصحة والبلديات والأوساط الأمنية لتقصيرها في مجابهة مثل هذه المظاهر غير الحضارية التي تنجر عن عاداتنا. فهل تفتح مذابح خاصة بيوم العيد، ويمنع الذبح العشوائي، وتتولى البلديات عبر أعوانها منع الاعتداء على الساحات العمومية، والحدائق والشوارع والبطاح لتمنع الذبح فيها يوم العيد؟