تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ حافظ ستهم أحد أبرز روّاد الجغرافيا التونسية المعاصرة بالجامعة التونسية
نشر في الصباح يوم 14 - 12 - 2008

تحتفل الجامعة التونسية بخمسينّية تأسيسها وأبرز رموزها بعد مسيرة سنين طويلة وعطاء سخيّ قضوها بين قاعات التدريس والبحث والتأطير العلمي. وقد إرتأينا أن نقدّم لمسة وفاء وإخلاص واعترافا بالجميل لاحد رواد الجغرافيا التونسية المعاصرة أستاذنا الجليل حافظ ستهم لما قدّمه من إسهام في تطوير الجغرافيا تدريسا وفكرا وبحثا بالجامعة التونسية.
ويعتبر الاستاذ حافظ ستهم أحد أبرز مؤسسي" المدرسة الجغرافية التونسية الناشئة". ونعتقد أنّ هذه اللفتة الكريمة والتلقائية من طلبته الاوفياء والمخلصين وهذه الكلمات الصادقة وهذه المواقف النبيلة سوف لن تفي هذا الصرح العلمي حقّ قدره نظرا للمكانة المعرفية المتميّزة التي بات يحظى بها لا على الصعيد المحلي فحسب بل كذلك على المستوى الخارجي حيث يعتبر أستاذنا الموّقر أبرز جغرافيّي العالم العربي والبلدان النامية في الوقت الحاضر.
فالاستاذ حافظ ستهم من أوائل الاساتذة التونسيين الذين بدؤوا في تدريس الجغرافيا بالجامعة التونسية الفتية في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين مع نخبة من أساتذتنا وهم الحبيب عطيّة وأحمد القصاّب والمرحوم محمّد العواني ومحمّد الجديدي ومحمّد الفخفاخ. وقد كان لنا شرف الجلوس أمامهم جميعا بمقاعد كلية الاداب والعلوم الانسانية بتونس، في مطلع السبعينات للنهل من غزارة علمهم ومن فيض معرفتهم الجغرافية. وكان ولا يزال الاستاذ حافظ ستهم مسكونا بهوس الجغرافيا حمل قلقها وتحمّل عبء همومها ومختلف إشكالياتها منذ أن كان مدرّسا بمعاهد التعليم الثانوي بالمعهد الصادقي بتونس العاصمة خلال الستينات. ومازال يحمل اليوم أغلب من تتلمذ عنه في تلك الفترة أحسن الانطباعات وأطيب الذكريات لما تميّز به هذا الرّجل من رفعة أخلاق واستقامة ويسر في التواصل المعرفي مع تلاميذه نظرا ليُسر ووضوح مناهج تدريسه للجغرافيا. ويمثلّ الاستاذ حافظ ستهم الجيل الاوّل من مدرّسي الجغرافيا بالجامعة التونسية الذين أحيطت بعهدتهم مواصلة وتطوير المنظومة التعليمية والبحثية الجغرافية بعد الرحيل التدريجي للمدرسين الفرنسييّن في أوائل السبعينات من القرن الماضي. ومع جمع من أساتذتنا الافاضل كالمرحوم محمّد العواني وأحمد القصّاب ومحمّد الجديدي ومحمّد الفخفاخ ونور الدين ستهم وحسونة المزابي والمنجي بوسنينة إنكبوا عن وعيّ وقناعة وتبصّر على تعريب تدريس الجغرافيا بالجامعة التونسية خلال عقد السبعينات. وهي عملية عسيرة ومعقّدة ومضنّية لتعويض اللغة الفرنسية التي بدأ التدريس بها مع نشأة الجامعة التونسية. وقد اندرج هذا المشروع في صلب الخيارات التي انتهجتها السلطة السياسية آنذاك رغم التحفّظ الذي أبدته بعض الاطراف من هذه العملية التي اعتبرت في ذلك الوقت بمثابة الانغلاق المعرفي.
وكان حافظ ستهم يؤكّد دوما على أنّ عملية التعريب هي تأصيل للكيان وإثبات للذات. وقد عمل الاستاذ حافظ ستهم على إعادة صياغة المفاهيم الجغرافية الجديدة من الفرنسية إلى العربية. ويرجع له الفضل في هذه المبادرة فحوّل كلّ دروسه إلى اللغة العربية التي كان يلقيها في مراحل التعليم العالي الاولى والثانية وخاصة في مستوى شهادتي التبريز والتعمّق في البحث في المرحلة الثالثة. ولتيسير عمل الجغرافيين، في هذه المرحلة الانتقالية والهامة، من مدّرسين وباحثين وطلبة لعب الدور الريادي في تأليف وتنسيق ومراجعة "معجم الجغرافيا" عربي- فرنسي الذي شاركت فيه ثلة من المدرسين ونشرته كليّة العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس في عام 1987 والذي شكّل ولازال مرجعا أساسيا في تعريب المصطلحات الجغرافية.
وكنتيجة لهذا التوجّه الجديد للجغرافيا التونسية تدريسا وبحثا بدأت تظهر أوّل الدراسات الجغرافية باللغة العربية في مستوى شهاداتي الكفاءة في البحث والتعمّق في البحث تلتها في مابعد أطروحات شهادة الدكتوراء الموّحدة التي ناقشها الجيل الثالث من الجغرافيين خلال منتصف التسعينات من القرن العشرين. وقد أصبح التعريب مادة هامة في الامتحانات الرسمية خاصة منها شهادة التعمّق في البحث خلال أواخر الثمانينات وبداية التسعينات. والملاحظ أنّ الاستاذ حافظ ستهم قد درس الجغرافيا باللغة الفرنسية وهو خريج الجامعة الفرنسية وكانت أول كتاباته بالفرنسية لكن تمسّك بمبدإ التعريب وتدريس الجغرافيا باللغة العربية. وكان يولى أهمية كبرى للغة سواء منها العربية أو الفرنسية مشافهة وكتابة.وكان يتقن الكلام والكتابة بصفة متميّزة للغتين العربية والفرنسية.
وعندما تولّى رئاسة قسم الجغرافيا بكلية الاداب والعلوم الانسانية بتونس ونظرا لقناعته بضرورة تفتح الجغرافيا التونسية على محيطها الخارجي وإطلاع الجغرافي التونسي على واقع البلدان المغاربية والعالم العربي وأهم مكوّناتها المجالية والاقتصادية والاجتماعية ثبّت الاستاذ حافظ ستهم ضمن البرامج الرسمية للجغرافيا دراسة هذه البلدان. وقد تولى بنفسه تدريس جغرافية البلدان المغاربية في مستوى المرحلة الثانية وجغرافية البلاد العربية في مستوى المرحلة الثالثة. فدرّس جغرافية العراق وتطوّر علاقة المدن بالارياف بالبلاد العربية وغيرها من الطروحات الهامة. وبذلك أعطى الجغرافيا التونسية بعدا مغاربيا وعربيا. فكان له الفضل في تعميم تدريس جغرافية البلدان المغاربية والعربية بكلّ أقسام الجغرافيا بالبلاد التونسية إلى حدّ منتصف التسعينات تقريبا رغم تلكيء بعض الجغرافيين من هذا الموقف. فباستثناء الاستاذ الفاضل محمّد الجديدي لم يحبّر أيّ جغرافي سطرا واحدا على جغرافية وكلّ الاشكاليات المطروحة اليوم بالبلاد المغاربية أوالعربية. كما اندثرت اليوم بمختلف أقسام الجغرافيا تقريبا كلّ الدروس حول هذه المسألة. وبكلية الاداب والعلوم الانسانية التي تحوّلت في1986 إلى كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس تتلمذ على يدي الاستاذ حافظ ستهم ثلاثة أجيال من الجغرافيين. وقد كانت له مساهمة متميّزة وناجعة في التأطير العلمي لعدد كبير من طلبة أقسام الجغرافيا سواء التابعين لكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس أو بمنوبة أو بصفاقس أو بسوسة. وقد شمل هذا التأطير شهادة الكفاءة في البحث وشهادة التعمّق في البحث وشهادة الدكتوراء. وقد ترأس عدّة لجان مناقشة لشهادات الكفاءة والتعمّق في البحث والدكتوراء أو كان عضوا بهذه اللجان. وكانت علاقتة متميّزة مع الطلبة الذين أطّرهم. فلم يبخل عليهم بالنصح والتوجيه مع التأكيد على ضرورة التعمّق في المسألة المدروسة وتنويع المصادر والمراجع حولها والقيام بالاستمارات الضرورية وكذلك الخرجات الميدانية التي تميّز الجغرافيا عن بعض المواد الاخرى للوقوف عن قرب على حقيقة المعطيات المقدّمة للدرس والتحليل والالتصاق بالواقع المعيش والمدروس. وكان متواضعا تواضع العلماء مع طلبته سواء في الدروس التي كان يؤمّنها أو في التأطير العلمي لهم. وبالاضافة إلى مشاركته أو إشرافه على اللجان العلمية الجغرافية في مختلف المستويات فقد دعي للمشاركة في لجان علمية في مستوى مناقشة شهادة الدكتوراء في علم الاجتماع والتاريخ والعربية نظرا للتداخل المعرفي بين هذه العلوم والجغرافيا.
كما ساهم الاستاذ حافظ ستهم في التأطير العلمي لعدد من الجغرافيين العرب من سوريا والعراق والعربية السعودية وفرنسا سواء كمشرف على شهادة الدكتوراء أو كعضو للجنة المناقشة. ونظرا للمكانة العلمية المرموقة والمتميّزة التي أصبح يتمتّع بها الاستاذ الجليل حافظ ستهم على المستوى العربي والافريقي وفي العالم الفرنكفوني فقد دعي كأستاذ زائر لالقاء محاضرات ودروس من قبل عدّة جامعات عربية كالجامعات الجزائرية والمغربية والمصرية والسعودية والكويتية والسورية والعراقية وغيرها نخصّ بالذكر منها الجامعات الفرنسية كجامعة قرونبل بفرنسا أين كان طالبا خلال الخمسينات وجامعتي السربون 1 والسربون 4 بباريس أين ناقش في هذه الاخيرة شهادة دكتوراء الدولة في بداية السبعينات من القرن الماضي. أما من جانب آخر ومساهمة من الجامعيين في تحديث مناهج تدريس الجغرافيا بالتعليم الثانوي وإثراء برامجها كانت للاستاذ حافظ ستهم مساهمات عديدة كمنسّق أو كمؤلّف لكتب مدرسية موّجه لتلاميذ التعليم الثانوي..
وقد تميّز الاستاذ حافظ ستهم بالجديّة والصرامة العلمية سواء في محتوى الدروس التي كان يؤمّنها لطلبته أو في تأطيره العلمي لهم. فكان يطالب بالدقّة المعرفية والشفافية في مايقدّمه الطلبة في جميع المستويات منهجا وفكرا ومحتوى. فانبرى مقاوما للاسفاف العلمي والرداءة المعرفية الجغرافية تدريسا وبحثا. فالتدقيق في المعلومة وطرح الاشكاليات بصفة منهجية وحسن توظيفها والتدّرج في تفسير الظاهرة وتفحّصها مليّا ونقدها، عند الاقتضاء، قاعدة أساسية لا يتغافل عنها أستاذنا الجليل. ومن المفارقات أنّ هذه الصرامة العلمية التي تميّز بها الاستاذ حافظ ستهم لتأمين تكوين معرفي سليم ومتين للطلبة والباحثين الجغرافيين تحوّلت إلى مأخذ يعاب عليه باعتبار أنّها، في مخيال البعض منهم "تطرّف وتعسّف". فالاستاذ القدير حافظ ستهم لم يكن متعسّفا ولم يحمل يوما ما حقدا أو ضغينة ضد أيّ كان بل كان صادقا في علاقاته وفيّا لعلمه واضحا في مواقفه وشجاعا في قراراته.
ولم تتوقّف المسيرة الجامعية الزاخرة للاستاذ حافظ ستهم على التدريس والتأطير العلمي بالجامعة التونسية. فنظرا لاهمية نشر البحوث الجغرافية وضرورة إيجاد قنوات التعريف بمختلف الدراسات الجغرافية الجامعية تطويرا للبحث الجغرافي كان أحد أعضاء "الهيئة التأسيسية" التي أحدثت أوّل مجلة جغرافية جامعية علمية وهي "المجلة الجغرافية التونسية" التي صدر عددها الاول في 1978. وكانت تصدر عن كليّة الاداب والعلوم الانسانية بتونس كلّ ستة أشهر. وتنشر هذه المجلة العلمية الفصول والابحاث والتعاليق والملخّصات الخاصة بالجغرافيا أو العلوم المتعلّقة والمتصلة بها باللغة العربية أو الفرنسية أو الانقليزية. وقد تغيّرت تسمّيتها فأصبحت تعرف اليوم ب"المجلة الجغرافية التونسية".
وقد شغل الاستاذ حافظ ستهم خطة مدير لهذه المجلّة من سنة 1994 إلى سنة 1997. وكان عضوا بهيئات التحرير الاولى من عام 1979 إلى 1984 والثانية من عام 1984 إلى 1994 والثالثة من عام 1994 إلى 1997. وتعتبر هذه المجلة اليوم مرجعا أساسيا في نشر البحوث الجغرافية بمختلف أنواعها ومرتكزا جغرافيا علميا على المستوى الوطني. وقد كانت للاستاذ حافظ ستهم مساهمات في علم الخرائطية حيث أشرف على تنسيق إنجاز الخرائط الجدارية التي وضعها ديوان قيس الاراضي ورسم الخرائط خلال مطلع التسعينات من القرن الماضي في نطاق تأليف الاطلس الوطني حول التربة والغطاء النباتي والمرفلوجيا وتضاريس البلاد التونسية وغيرها من الخرائط. وكانت له كذلك مساهمات وكتابات حول البلاد التونسية في مصادر علمية ذات صيت عالمي. فقد كتب مقالاقيّما حول التحضّر في البلاد التونسية في المؤلّف الضخم الذي أصدرته المنظّمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (الالكسو) حول التحضّر في العلم العربي. وقد كان بحثه غزيرا وثرياّ.
فحسب ما توفّر لدينا من وثائق ومعلومات حول إنتاجه العلمي وضع أستاذنا الفاضل سبعة مؤلفات فردية، منها ثلاثة بالعربية وأربعة بالفرنسية. وتأتي في مقدمة هذه المؤلفات العمل الضخم حول "فلاحو" شبه جزيرة الوطن القبلي" الذي هو في الاصل أطروحة دكتوراء الدولة التي نشرت في عام 1987 في جزأين من قبل كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس. أما المؤلفات الجماعية فقد بلغ عددها ثمانية. وبلغ عدد المقالات باللغة العربية سبع مقالات وسبع عشرة باللغة الفرنسية نشرت في مجلات علمية تونسية وأجنبية. أما عرض الكتب والاطروحات فقد بلغ عددها عشرة نشرت كلّها في " المجلة الجغرافية التونسية" خلال فترات مختلفة.
وكباحث ركّز حافظ ستهم أغلب الدراسات التي أنجزها في شكل مؤلفات شخصية أو جماعية أو مقالات باللغتين الفرنسية والعربية على الاشكاليات التي تهمّ المجتمع الريفي سواء بالبلاد التونسية أو العربية أو بالبلدان المتقدّمة والاشتراكية منها. ففي أغلب الدراسات التي قدّمها الاستاذ حافظ ستهم للجغرافيا والجغرافيين أكّد على الانعكاسات السلبيّة لهيمنة المدينة على الريف نتيجة للنمط التنموي المنتهج من قبل السلطة السياسية. وقد إنطلق من التجربة التونسية ليحللّ الاوضاع في بعض البلدان النامية الاخرى وكذلك بعض البلدان المتقدّمة.
ويرى الاستاذ حافظ ستهم أنّ المدينة تنافس الريف من أجل الماء واليد العاملة والارض تبعا للاولوية التي أعطت لها من قبل السلطة السياسية ضمن نمطها التنموي وباعتبار أنّ مركز القرار هي المدينة وأنّ السلطة كانت دوما حضرية. وإن تراجعت اليوم هذه المنافسة غير أنّ انعكاساتها مازالت تعيق بشكل كبير التنمية في الريف. فالسلطة السياسية كانت بين أيدي الحضّر. وتعتبر السلطة السياسية أنّ الفلاحة قطاع تقليدي متأخّر وعاجز عن المساهمة في الدينامية التنموية لمجتمع ما. وبذلك وقع التركيز على الصناعات التحويلية والثقيلة منها أحيانا والوظائف الادارية والانشطة السياحية. فعملية التنمية في هذا المنظور يجب أن تمرّ عبر تجاوز القطاع الفلاحي. ويكتسي الاختلال في التنمية بين المدينة والريف عدّة مظاهر طبقا للمنظور الذي قدّمه الاستاذ حافظ ستهم. فأوّل هذه المظاهر الاستحواذ العقاري للحضّر على الارض الزراعية. (أنظر مقال "الاستحواذ العقاري للسكان الحضّر على الارض الزراعية بالجمهورية التونسية". المجلة التونسية للجغرافيا عدد 15 لسنة 1987).
فخلال الحقبة الاستعمارية استحوذ الحضّر على الفائض الزراعي عن طريق الجباية وخاصة عن طريق المجبى والعشر وقانون الزيتون. فعدّة أراض زراعية انتزعت من ملاّكيها وضمّت إلى أملاك الباي أو لحاشيته لرفض المزارعين هذه الجباية المجحفة. ويبرز هذا الاستحواذ العقاري كذلك في الريع العقاري الذي كان يطالب به الحضّر المتغيّبين كلّ المزارعين (أنظر مؤلّف السلطة الحضرية والفلاحون في تونس1992). ولما تطوّرت عصرنة الفلاحة تدّعمت هيمنة الحضّر على وسائل الانتاج العصرية كالالات الفلاحية الميكانيكية والمدخلات ووسائل النقل الحديثة باعتبار تواضع إمكانيات السواد الاعظم من المزارعين والتي لا تسمح لهم بتملّك هذه الوسائل الجديدة. وقد تنامت هيمنة المدينة على الريف تبعا للتطوّر الهيكلي الذي عرفته الفلاحة والمتمثل في إنتقالها من معاشية تقليدية إلى تجارية مضاربية في كلّ قطاعاتها تقريبا. وبذلك تشكّلت مسالك تسويق وترويج جديدة أصبح يتحكّم فيها من قبل رأس المال الحضري المتكوّن من الخواص وكبريات الشركات متعّددة الوظائف والاختصاصات.
فأسعار بيع المنتوجات الفلاحية لم تعد مرتبطة بالكلفة الحقيقية للانتاج الزراعي بل أصبحت تخضع لمنطق السوق والعرض والطلب ولربح المقرّرين الجدد وبذلك إنهارت مدا خيل أغلب المزارعين خاصة صغارهم ومتوسطيهم وتدّنى بالتالي مستوى عيشهم. ولم يتطوّر الحجم الضعيف للاستثمارات الفلاحية العمومية والخاصة. وتراجع كذلك حجم القروض المسندة للمزارعين من جملة القروض التي تسندها السلطة العمومية. وتبعا لذلك تقلّص بصفة واضحة نفوذ المزارعين داخل المنظومة الانتاجية للفلاحة التي يشكلون في الاصل إحدى مكوّناتها الاساسية.
فالاقتطاع الاقتصادي المسلّط على المنظومة الانتاجية الفلاحية أفضى إلى تردي أوضاع صغار ومتوسطّي المزارعين. فقد حوّلت السلطة العمومية نحو القطاعات الاقتصادية الحضرية نسبة هامة من الفائض الزراعي عن طريق تحديد أسعار بيع المنتوجات الفلاحية الاساسية والتخفيض الفادح في حجم الاستثمارات والقروض الفلاحية. وبذلك تدّعم رأس المال الحضري ومعه تفاقمت هيمنة المدينة على الريف وتنامى الاختلال بين المجتمعين الريفي والحضري.(أنظر مؤلّف الارض والفلاّح والسوق والمجتمع في المغرب: تونس والجزائر والمغرب الاقصى 2004). وقد أفضى الاقتطاع المجالي على حساب الارض الزراعية لفائدة المجال الحضري إلى تجميد آلاف الهكتارات من الاراضي الزراعية المنتجة خاصّة بالمناطق المحاذية للمدن. وإحتدّ بذلك الاختلال بين المناطق الساحلية فائقة التحضّر والمناطق الداخلية الزراعية التي بقيت في أغلبها ناقصة للتجهيزات الاساسية. (انظر المؤلف الجماعي"السكان والمجال في تونس" مقال " من مشكلات التهئية الريفية: المنافسة بين الريف والمدينة من أجل الارض1988). ونتيجة لهذه الوضعية المتأزّمة التي أصبح يعيشها المجتمع الريفي تدنّي مستوى العيش واحتدت البطالة وإنتشر الفقر. فوجد صغار المزارعين والمزارعون بدون أرض وكلّ العاطلين عن العمل الحلّ في الهجرة نحو المدن أو الهجرة إلى الخارج. وأدى الانتقال المكثّف لسكان الريف إلى المدينة إلى بداية بروز مشاهد ومشاكل جديدة بها. فظهرت الاحياء العفوية بأغلب المدن خاصة الهامّة منها وترّيفت أغلب التجمعات الحضرية الكبرى. وتحوّلت تدريجيا مشاكل الريف من بطالة وفقر وسكن إلى المدينة. (أنظر خاصة مقال " النزوح الريفي بالجمهورية التونسية "في المؤلف الجماعي"دراسات في المسائل السكانية في الجمهورية التونسية"1985).
ويؤكّد الباحث في دراساته أنّ تنمية الارياف تمرّ حتما عبر الاصلاح الزراعي. فقد دعا الاطراف المسؤولة والمتدخّلة في الريف إلى ضرورة القيام بإصلاح الهياكل الزراعية وتحديث وسائل وطرق الانتاج(أنظر مقال" الهياكل الزراعية والتحويرات التي أدخلت عليها في البلاد التونسية ودورها في التنمية الزراعية بعد الاستقلال.المجلة الجغرافية التونسية عددي23-24 لسنة 1993). كما حلّل الاصلاحات الزراعية وإنعكاساتها الايجابية على صغار المزارعين والمزارعون بدون أرض بمصر وسوريا والاتحاد السوفياتي سابقا (أنظر مؤلّف الريف والتنمية). وفي بعض المقالات الاخرى درس الاصلاح الزراعي بالجزائر.
ويبرز الفكر الاستشرافي في دراسات هذا الباحث في تنبيهه مند السبعينات من القرن الماضي إلى مشكل تفاقم العجز الغذائي بالبلدان النامية من بينها البلاد التونسية متى لم تقع إعادة النظر بصفة جذرية في السياسة التنموية المنتهجة من قبل السلطة العمومية والتي أضرّت بالريف. (أنظرا لمؤلف الجماعي العجز الغذائي في تونس الخضراء: من المسؤول؟). وفي نفس السياق درس الاستاذ حافظ ستهم الوضع الغذائي ببعض البلدان العربية خاصة منها بمصر أكثر البلاد العربية سكانا ونبّه إلى خطورة الوضع الغذائي بها منذ الثمانينات من القرن الماضي. (أنظر مقال "مصر في عام 2000 كيف نغذي 70 مليون ساكن؟" المجلّة التونسية للجغرافيا عدد 5 لسنة 1980 بالفرنسية). وتتأكّد هذه النظرة الاستشرافية والواقعية للباحث في الوضعية المتردية التي تعيشها اليوم أغلب الدول النامية خاصة العربية والافريقية منها والتي تعاني من النقص في الغذاء وسوء التغذية والجوع الذي تفاقم بشكل خطير. وقد عبّر الاستاذ حافظ ستهم عن هذه الوضعية بمقولته الشهيرة "من يزرع الريح يحصد العاصفة" (السلطة الحضرية والفلاحون في تونس 1992).
ولم يكتف الباحث بتحليل المشاكل والتنبيه للمخاطر فحسب بل اقترح عّدة حلول لتجاوز الوضعية المتأزمة التي باتت تهدّد المجتمع الريفي أهمها التهيئة الريفية. فقد جاء مؤلفه خلال عقد الثمانينات حول"الريف والتنمية: دراسة في تهيئة المجال الريفي" ليملا فجوة كبيرة في البحث الجغرافي حول ضرورة العناية بصفة جديّة بالريف وذلك بوضع برامج تهوية لحلّ مشاكله. وقد وضع الباحث في هذا المؤلف الاوّل من نوعه بالبلاد التونسية والعربية شروط ومعايير هذه التهيئة الريفية. فالتهيئة الريفية عمليّة معقّدة ومتشعّبة. وحتّى تكون مجديّة لا بدّ لها أن تكون عملية تنموية مخطّط لها وشاملة تأخذ في الاعتبار كلّ خصوصيات الريف وتهدف إلى خلق توازن بين المدينة والريف وبين مختلف الاقاليم وبين المجتمعات. فبالرغم من الصعوبات التي تتعرّض لها أمثلة التهيئة الريفية كخضوعها لنفوذ السلطة السياسية وتأثيرات المؤسسات المالية الاجنبيّة المموّلة ونقص الدراسات ومعارضة بعض المزارعين لها لا بدّ من وضع هذه الامثلة التهوّية الريفية لاعادة التوازن بين المدينة والريف وتجاوز الازمات التي تعيشها المجتمعات الريفية والتي تؤثر حتما على المجتمعات الحضرية. ولم يقتصر البحث عند الاستاذ حافظ ستهم على الريف ومشاكله فحسب بل مساهمة منه في تدعيم تدريس والبحث في إشكاليات الجغرافيا الاقليمية وضع مؤلفا قيّما حول مميّزات وخصائص الاقاليم التونسية وهو " شخصية الاقاليم التونسية". ويعتبر اليوم هذا المؤلّف مرجعا أساسيا في دراسة هذه الاقاليم والتعريف بخصوصياتها الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية.
أخيرا يعتبر الاستاذ الموقّر حافظ ستهم عميد الجغرافيين التونسّيين وأحد أبرز الذين أثروا في" المدرسة الجغرافية التونسية" الناشئة فكرا وتدريسا وبحثا. فقد عمل الاستاذ والباحث حافظ ستهم في كلّ ما حبّر من دراسات وفي كلّ ما قدّم من أفكار على إعطاء الجغرافيا بعدها الانساني. فالجغرافيا في فكره إنسانّية وواقعية أو لاتكون. فدرّس صادقا وكتب وبحث واعيا وأطّر مقتدرا ونزيها. وهو مفخرة كلّ الجغرافيين ومن أعلام الجامعة التونسية الناشئة. فقد أحبّ عمله وأخلص لوطنه. ونحن نبتهل اليوم إلى الله عزّ وعلا أن يطيل في عمر هذا الصرح العلمي وهذا الرمز الذي أقعده المرض عن العطاء السخي وأن لايرينا فيه مكروها. فهو الفيض الذي لن ينضب وهو الهرم الذي سيبقى شامخا وهو المنارة التي إهتدت بعلمها أجيال وستبقى حتما منيرة السبيل للاجيال الجغرافية القادمة

(*) كلية الاداب والفنون والانسانيات بمنوبة قسم الجغرافيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.