من الصعب إحصاء عدد الورشات لأنه يتغيّر بين يوم وآخر تونس - الصباح: رغم أننا في زمن التكنولوجيا الرقمية التي لا مجال فيها لأي خلل فإن بعضا من المهن لا تزال إلى يوم الناس هذا غارقة في الفوضى وتفتقر لأبسط وسائل التنظيم... وتدار بعقلية بالية ومن هذه المهن، مهن الميكانيك المتعدّدة وورشات الميكانيك و«الطولة» والكهرباء والخراطة وغيرها... ولا غرابة في ظل وضع كهذا، أن يفاجأ الراغب في إصلاح سيارته وبعد فوات الأوان أنه استبدل العطب الذي جاء من أجل إصلاحه بمجموعة أعطاب جديدة حتى أنه وفي عصر السيارة الالكترونية من الألف إلى الياء... يكفي أن يتسلح بعض المنتمين لهذا القطاع ب«مطرقة وزنزير» ومجموعة مفاتيح أكل عليها الدّهر وشرب ويقوموا بتعليق يافطة بارزة للعيان مكتوب عليها «ورشة ميكانيك عام» أو «طولة» أو غيرها من مهن اصلاح السيارات الكثيرة... ويشرعون في قبول الحرفاء بلا أجهزة تشخيص للأعطاب أو وصولات أو تعريفات يتم اعتمادها أو فواتير... ويحدث كل ذلك في قطاع مرتبط شديد الارتباط بالسلامة المرورية وسلامة مستعملي الطريق... ويؤثر كثيرا على مؤشرات الاستهلاك الطاقي وله انعكاسات بيئية واقتصادية وتنموية لا تخفى على أحد... ونظرا لأهمية الموضوع ارتأينا اليوم محاورة رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب ورشات الميكانيك السيد محمد قدورة. منذ جوان 2007 ومشروع كراس الشروط المنظّم للقطاع ينام في الرفوف عندما ينظّم القطاع لن يصبح بمقدور «صانع» قضى 6 أشهر في العمل فتح ورشة بمنزله بالكاد نجد العدد المطلوب للراغبين في التكوين لأن أصحاب الورشات لا حاجة لهم بذلك * سي محمد أغلب زملائك لا يعترفون بالوصولات والتعريفات والفواتير... ما السر في ذلك؟ - لدينا اتفاقية مع منظمة الدفاع عن المستهلك تنص على ضرورة تمكين الحريف من الوصولات اللازمة وفواتير في الخدمات التي تم القيام بها... إضافة إلى اطلاعه على تسعيرة الخدمات المقدمة منذ أن تطأ قدماه ورشة الإصلاح... * ولكن 99% من مهنيي القطاع لا يتقيّدون بذلك؟ - في غياب القوانين التي تجبرهم على ذلك... وفي غياب كراس الشروط الذي بإمكانه تنظيم القطاع... سيظل التنظيم مفقودا إلى أجل غير مسمّى... * هذا يعني أنك تقر بانعدام التنظيم في مهنتكم؟ - طبعا انعدام التنظيم هو السمة البارزة للقطاع... فهو قطاع مهمّش وهذا لن يفيد لا المواطن ولا المهنة. * ومن يحمي المواطن إذن؟ - كيف نحمي المواطن والقطاع مهمّش وعدد الورشات به غير معلوم... ولو قمنا بإحصاء لعدد الورشات بتونس الكبرى على سبيل المثال في يوم محدّد ستجدها ثلاثة آلاف ورشة... وفي اليوم الذي يليه ستضاف لها 150 ورشة أخرى جديدة لماذا؟ لأنه لا وجود لنظام في المهنة... * ولماذا لم يصدر كراس الشروط الخاص بالمهنة على غرار باقي الحرف والمهن؟ - نصّ القانون على إحداث كراس شروط لعدّة مهن وحرف ومن ضمنها قطاعنا... ومنذ صدور القانون عقدنا عدّة اجتماعات ولقاءات مع وزير التجارة السابق بمقر الوزارة... وإثر عدة جلسات تمت صياغة مشروع كراس شروط وقبوله مبدئيا في انتظار استكمال عرضه على أنظار مجلس المنافسة وذلك منذ جوان ...2007 ومنذ ذلك التاريخ إلى حدّ اليوم لا نعلم شيئا عن هذا الموضوع. * والحل إذن؟ - جل القطاعات منظمة وتخضع لكراسات الشروط... مثل الحلاقة والتجميل ولكن وزارة التجارة لم تقم بمجهود واضح لتنظيم مهنتنا رغم أن رئيس الدولة ينادي بتنظيم كل القطاعات... لذلك سأكمل دورتي على رأس الغرفة الوطنية وسأنسحب. * طيب، بعيدا عن القوانين كيف تفسّر اختلاف التعريفات بين ورشة وأخرى... بفوارق كبيرة أحيانا... حتى أن استبدال قطعة معطبة بالمنيهلة على سبيل المثال يتم ب30 دينار وفي أريانة لا تقل عملية الإصلاح ذاتها عن 70 دينارا؟ - لأن الورشة الثانية مهيأة وتتوفر بها التجهيزات والمعدات المطلوبة وتعمل وفق تقنيات حديثة... وإذا ما كانت الورشة مهيكلة وتعريفاتها مدقّقة وموضحة ومعلّقة بمكان بارز للعيان في إطار من الشفافية المطلوبة... فضلا عن القيام بواجب التغطية الاجتماعية والواجب الجبائي فمن البديهي أن تختلف تعريفاتها عن تعريفة الورشات الفوضويّة. * ولكن رغم هذه الاختلافات التنظيمية يظل هنالك قاسم مشترك بين الجميع... وهو المتعلق بجانب التشخيص الأوّلي حيث يصطدم طالب خدمة الإصلاح أحيانا بعدم الحصول على غايته رغم الأموال التي أهدرها على اقتناء قطع الغيار المنصوح بشرائها ورغم الوقت الذي أنفقه منتظرا عملية إصلاح لسيارته لم تحصل؟ - أغلب المهنيين يعتمدون بدرجة كبيرة على خبرتهم في المجال بدون اللجوء لمعدّات التشخيص الآلي... ولكن الخبرة قد تخونهم... و هو ما يتسبّب في حصول الكثير من الاشكاليات بين المهنيين والحرفاء... * والحريف هو من يدفع الضريبة بطبيعة الحال! - غالبا ما يحصل ذلك وقد كنت شاهدا مؤخرا على واقعة خسر خلالها المواطن حوالي 600 دينار... بعد أن أخذ سيارته لورشة بالصّدفة... وهي سيارة حديثة مجهزة بطريقة الكترونية وبعد مكوثها لأيام بورشة الإصلاح تلك أعادها له الميكانيكي أتعس مما كان قد تسلمها منه... ووجدتني مضطرا للتدخل بينهما ونصحت صاحب السيارة بتحويل وجهته نحو ورشة أخرى معترف بها وفي الأخير تكبّد 950 دينارا إضافية ليصلح العطب... وهنا أنصح المواطن بأن يختار جيّدا الورشة المقصودة طلبا للخدمة... مثلما يختار حلاّقه أو حمّامه أو المطعم الذي سيتناول به أكلته. * ولكن عملية الحلاقة أو الاستحمام تبرمج عادة... بينما السيارة لا تستشيرنا عندما تتعرّض لعطب مفاجئ؟ - ذلك صحيح، وشخصيا حدث لي ذلك عندما كنت في زيارة للعاصمة مؤخرا واضطررت لإصلاح سيارتي بورشة... قد نستطيع أن نسميها ما شاء الله من الأسماء إلاّ ورشة ميكانيك للسيارات. * وفضلا عن كل هذا... يتعرّض الحريف غالبا إلى ممارسات جانبيّة تلحق به مضرّة كبيرة ولا يجد من يحميه من القائمين بها... مثل قيادة سيارته من قبل «صانع» لا يفقه من أمر السياقة شيئا ويرتكب بها حادثا لا تعترف به شركات التأمين... أو يترك السيارة خارج الورشة ليلا فتتعرّض للخلع والسرقة..؟ - هذا كله صحيح نحن في فوضى كبيرة جدّا... قطاعنا صار مرتعا للدخلاء الذين لا يعترفون بالنظام أو بالشروط الدنيا لفتح المحلات... والأتعس من ذلك أن الحريف يضيع حقه ولا يحصل عليه حتى عند الاشتكاء بهم... والخطأ هنا لا يتحمله هؤلاء الدخلاء فقط... حيث أن الحريف يتحمّل قسطا هاما من المسؤولية لأنه عندما يأخذ سيارته إلى ورشة لا تتجاوز مساحتاها الجملية 25 مترا مربعا أي 5 على 5 أمتار... ثم يفاجأ بعد ذلك بسرقة احدى عجلاتها أو تهشيم بلوها فكأنه ساعد صاحب الورشة على حصول هذا الأمر... أما عن «الصنّاع» فلا دخل لهم في سياقة سيارة الحريف ومع ذلك يتعمّدون سياقتها ويهشمونها... والمخرج الوحيد هنا أمام صاحب الورشة هو الهروب وفتح ورشة جديدة في مكان آخر... وعندما يصبح القطاع منظما ومهيكلا وخاضعا لكراس الشروط بإمكاننا حينئذ الإشتكاء بهؤلاء ومطالبتهم باحترام بنود كراس الشروط. * وهل سيحمل كراس الشروط حلولا سحريّة لوضع متعفن كهذا؟ - عندما يصبح فتح الورشات خاضعا لشروط حازمة من حيث المساحة والتجهيزات والمؤهلات فضلا عن الجوانب الإدارية والتنظيمية سيقل فتح هذه الورشات العشوائية... وسوف لن يصبح بمقدور أي «صانع» قضى 6 أشهر فقط بورشة معروفة تحويل أحد غرف منزلهم إلى مستودع لإصلاح السيارات أو لدهنها. * ألا توجد لديكم النيّة لفتح باب التكوين المهني أمام هؤلاء للتقليص من معاناة القطاع؟ - تقوم الدّولة بمجهود جبّار في مجال التكوين المهني بالقطاع إضافة لمراكز التكوين الخاص... حيث تمتع القطاع بحوالي 900 ألف دينار استأثر بها جانب التكوين في مهن الميكانيك خلال سنة 2007 فقط ويقوم مركز التكوين المهني بأريانة بتخريج 60 ميكانيكيا سنويا... * ولكنه عدد قليل مقارنة بحجم القطاع؟ - صدّقني أحيانا لا نجد العدد المطلوب للقيام بالتكوين وهذا العدد أي 60 متكونا قد لا يتوفر في أغلب الحالات. * لماذا... ماهي الأسباب؟ - لأنك وعندما تنظر حولك سوف تجد مئات الورشات التي تفتح يوميا وبصفة منتظمة ودونما حاجة لإجراء تكوين في الغرض... وعندما يصبح لدينا كراس شروط يفرض إجبارية التكوين المهني في من يأنس في نفسه الرغبة في فتح ورشة جديدة... سيرتفع حجم الإقبال على التكوين في هذا الصدد. * ومن يؤمن حلقات التكوين بالمراكز الخاصة ومن يشرف عليها؟ - فهمت قصدك... ليس المهنيون من يقوم بمهمة التكوين بل يؤمنها أساتذة مختصّون ومهندسون ويقوم المركز الوطني للتكوين المستمر والترقية المهنية التابع لوزارة التربية والتكوين بتمويل الحلقات التكوينية التي تقوم بها مراكز التكوين بداخل الجمهورية وعددها سبعة مراكز. * هل تمّت مراعاة الفوارق بين مختلف مهن ميكانيك السيارات ضمن مشروع كراس الشروط الجديد باعتبارك من المساهمين في صياغته؟ - كل نشاط تم إفراده بشروط خاصة تتعلق بالمساحة والعمال وتكوين العمال ومؤهلات صاحب الورشة نفسه... أما على مستوى المعدات فهناك توجه نحو توخي المرونة شريطة توفر شروط السلامة... من ذلك امكانية اعتماد بيت مغلق بباب من الحديد وتركيب الخزف على جميع جدرانه واستعماله فرنا لدهن السيارات إذا لم تسمح قدرة صاحبه على التجهز بفرن خاص بالدهن إلى غير ذلك من المسائل التي تحترم شروط واجراءات السلامة ومدى استجابة الورشة للشروط الدّنيا والمعايير المهنية المعقولة.