تونس الصباح: على الرغم من مرور سنوات طويلة على اعتماد نظام الفوترة الخاصة باستهلاك الماء، إلا أن المواطنين ما يزالون يجدون صعوبة في تفكيك رموزها وشفرتها المعقدة للغاية.. وإذا كانت الأرقام المتعلقة باستهلاك الماء لا تمثل مشكلا كبيرا من حيث فهمها، طالما ثمة إحالات واضحة على هذه الأرقام، وتفاصيل دقيقة وحيثيات مفصلة (بقطع النظر عن الاتفاق بشأنها من عدمه)، فإن الذي ظل وما يزال يثير التساؤل والحيرة لدى المواطن التونسي، تلك المعطيات الخاصة بديوان التطهير.. فهذه المعطيات ليست في متناول المواطن، وليس بوسع أي كان أن يفك شفرتها مهما كانت درجة علمه وثقافته واطلاعه، بل إن فنيين وموظفين ومتخصصين في شركة ال "صوناد"، يبدون غير قادرين على تقديم تفاصيل بهذا الشأن.. بل إن الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، صرح منذ يوم فقط لإحدى اليوميات الصادرة في تونس، بأن عملية احتساب القسط المتعلق بديوان التطهير ضمن فاتورة الماء، لا دخل للشركة فيه وهي لا تعلم كيفية احتسابه.. وهو تصريح يشير بشكل واضح إلى أن المواطن يدفع قسطه "المطالب به" لدى الديوان، لكن من دون أن تكون لديه أية تفاصيل حول كيفية احتساب هذا القسط.. ويزداد المرء حيرة عندما يجد نفسه يدفع لديوان التطهير قسطا هو أكبر من حجم استهلاكه للماء، وهو القسط الذي يتجاوز بكثير ما يدفعه نظير استهلاكه للماء.. تساؤلات أساسية وهنا تطرح تساؤلات كثيرة وهامة منها، ما الذي يبرر القسط الكبير الذي يدفعه المواطن لديوان التطهير بل ما الذي يبرر دفع أي قسط مهما كانت نسبته قد يقول مسؤولون في هذه المؤسسة، أن الديوان يتفق الكثير من أجل ربط الأحياء والمدن بقنوات التطهير، فضلا عن أن هذه القنوات مكلفة للغاية.. لكن لماذا يدفع مواطنون نظير خدمات وأشغال يستفيد منها مواطنون آخرون في أحياء أخرى لا صلة لهم بها ويزداد الأمر استغرابا عندما نجد أن عديد المواطنين (النسبة الأكبر من التونسيين) من الذين يسكنون بيوتا على سبيل التسوغ (الكراء)، يدفعون القسط الذي يفترض أن يدفعه صاحب المحل، نظير خدمات تعهد الديوان بتقديمها إليه بموجب عقد موقع بين الطرفين عند شراء المحل أو اقتنائه.. ويقول مسؤولون في شركة الماء في هذا السياق، أنه ليس بوسعها إرسال إلا فاتورة واحدة، وليست مسؤولة عن القسط المتعلق بديوان التطهير، أو في عملية احتسابه، وهو ما يجعل المتسوغين يدفعون التزامات ليسوا طرفا فيها، ولا هي راجعة إليهم بالنظر.. وحتى إذا افترض المرء جدلا أنه معني بهذه الأقساط، فكيف نفسّر نسبها المرتفعة وكيف يجري ضبطها وتحديد قيمتها، أي ما هي المعايير التي يعتمدها الديوان في ضبط "استهلاك" المواطن لقنوات التطهير، إذا ما جاز لنا أن نسميه استهلاكا..؟ لقد حان الوقت لكي تتوخى الدوائر المسؤولة في الحكومة إجراءات جديدة، تعتمد من خلالها الفصل بين استهلاك المواطن للماء، ومنابه من استخلاصات التطهير في تمام الشفافية والوضوح، وهو الشعار الذي ما انفكت الوزارة الأولى ترفعه، حرصا منها على العلاقات الواضحة بين الحكومة والمواطنين.. فهل نتوقع يوما ندفع فيه قسطا لديوان التطهير نكون فيه مدركين ومقتنعين بجدواه وأهميته، وخاصة بتفاصيله ؟ إن ذلك يمثّل أملا حقيقيا لقسم كبير من التونسيين، إن لم يكن لجميعهم، فهل يتحقق هذا الأمل يوما؟