في الوقت الذي كان من المفروض ان تستقبل فيه نقل تونس أوائل حرفائها في العام الجديد بالورود أو قل على الأقل متمنيّة لهم عاما سعيدا.. جاء الاستقبال «دمويا» إلى أبعد الحدود إذ تسبب حادث اصطدام حافلتين فجر العام الجديد في وفاة شخصين وجرح 29 آخرين.. وكأنّ المعاناة من النقل وحدها لا تكفي لتضيف إليها هذا الكمّ من المآسي. إنّ المتأمل في حالة النقل عامة ونقل تونس خاصة ينتهي إلى أنّ هذا القطاع في حاجة إلى وقفة حازمة تضع حدا للمآسي والمعاناة التي يعيشها أفراد هذا الشعب الذين لا ذنب لهم إلاّ أنهم لا يملكون وسيلة نقل خاصة.. ولو أن أصحاب مثل وسائل النقل هذه أضحوْا مهددين في ممتلكاتهم وحياتهم بسبب ما أصبحنا نشاهده من تهوّر وسائل النقل العمومي على طرقاتنا... مشكلة النقل لن تحلّها الشعارات ولا الاجتماعات داخل المكاتب الوثيرة ولا رائحة البخور التي تعبق في الوزارة في محاولة يائسة لطرد الأرواح الشريرة او للتوقي من العين والحسد ولا أدري عمّا يحسد مسؤول في قطاع يجمع لنفسه أكثر نسبة من عدم رضاء الناس على آدائه. مشكلة النقل تتطلّب عملا ميدانيا ووقفة حازمة وضربا استباقيا على أيدي العابثين ولا أظنّ أن نقابة عمّالية واحدة في العالم تقبل بأن يترك الحبل على الغارب حتى ينتهي منخرطوها الى حصد أرواح الناس أو إعاقتهم أو تقبل بأن يترك الناس على حافة الطريق لأنّ السائق عنّ له عدم التّوقّف. لقد جرّب الناس الجودة الشاملة آملين في نقل رحيم بهم.. ولأنهم يموتون في اليوم كذا مرّة.. يموتون غضبا.. يموتون ألما.. يموتون خوفا.. أصبح البعض منهم ولشدّة يأسه في الشفاء من معاناته يتمنّى القتل الرحيم.. ثم انتظروا «النقل الذكي» الذي لا تخلو مضامينه من كون النقل لم يكن ذكيّا بالمرّة أي بعبارة أقوم نقل شبه متخلّف ذهنيا إن لم يكن كذلك.. انتظروا فلم يروا له إلى الآن أثرا غير مركز نداء لا يضيف لمخاطبه شيئا.. فهل قدرهم أن يظلّوا كجمل النواعير الذي قال عنه الشاعر الشعبي «مسكين جمل النواعير بالهجر ضاقت خلوقه.. يسمع في الماء بوذنيه.. لا يشبحَ لا يذوقَه» أم ترى علينا الانتظار كي يصبح النقل ملفا سياسيا يزايد عليه الموالي والمغالي.. القاصي والداني في الوقت الذي يكفي فيه المزيد من الحزم والكثير من العمل الميداني حتى تحفظ الأرواح وتتحسّن معدّلات الرضاء. حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: