قدم المخرج غازي الزغباني العرض الأول لعمله المسرحي الجديد «الطرح» الأسبوع الفارط بفضاء التياترو بتونس العاصمة. تقمص أدوار هذا العمل كل من فاطمة الفالحي وحنان الشقراني وناجي القنواتي.. وجميعهم من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي ومن الجيل الجديد للمسرح التونسي الذي يثبت من يوم لآخر أنه يقدم تجارب جيدة وقراءات جديدة للنصوص العالمية تأخذ بعين الاعتيار الواقع الآن وهنا. «الطرح» عمل مسرحي مقتبس عن نص «الخادمات» للكاتب الكبير جون جيني لكن هذا الاقتباس كان هيكليا وشكليا مقارنة لمضامينه الأصلية. وتجدر الإشارة إلى أن الشخصيات في النص الاصلي «الخادمات» إناث لكن جنسهن في مسرحية «الطرح» غير محدد. فالشخصية التي يتقمصها الممثل الناجي القنواتي بملابس داخلية نسائية تخاطب على أساس انها أنثى تارة وذكرا تارة أخرى خاصة في علاقتها بشخصية الخادمة الثانية التي تتقمصها فاطمة الفالحي. وقد قدمت المسرحية الشخصيتين الخادميتين في وجوه ووضعيات وعلاقات متعددة ومتنوعة.. علاقة قرابة وعلاقة شهوة جنسية وعلاقة شاذة تارة بين أنثى وأنثى وطورا بين أنثى وذكر.. وتأخذ هذه العلاقات أحيانا أبعادا أخلاقية وأحيانا إنسانية وتضامنية. ولابد من الاشارة في هذا الصدد الى قيمة الممثلين في تقمصهم لهذه الأدوار المركبة والمتحولة في الجنس والحركة. كما تجدر الاشارة إلى أن المخرج غازي الزغباني قد ذهب بعيدا بعمله المسرحي الجديد «الطرح» عن المعالجات الدرامية التونسية التي اشتغلت على نص «الخادمات» لجون جيني . لقد اعتمد أقصى درجات القبح والفساد على مستوى الحركة واللفظ والملابس لتصوير علاقات متوترة ومتصارعة بين الشخصيات.. ويتأكد هذا مع التغيير الحاصل في المسرحية حيث عمد المخرج الى تغيير ممثلة وهي ألفة السالمي بالممثل الناجي القنواتي لتقمص دور الخادمة. وبناء على عدة إشارات مشهدية، يبدو أن غازي الزغباني قد عمد الى قراءة آنية لنص جون جيني الأصلي حيث حمّله قضايا راهنة تضمّنت فيما تضمّنت توظيف الحذاء الشهير للصحفي العراقي في علاقة ضمنية بالصراع العربي الصهيوني والامريكي بعيدا عن الخطاب السياسي والأسلوب المباشر. وتجوز هذه القراءة شخصية سيدة البيت التي تتقمصها الممثلة حنان الشقراني حيث يفهم المتفرج أنه أمام امرأة يهودية من خلال النص اللفظي وطريقة النطق.. إضافة الى الرموز الاخرى التي احتواها الفضاء الركحي... وتتميّز علاقة هذه السيدة بالخادمتين بالكره ونظرة الدون والعداء والحقد الذي يصل الى درجة التخطيط المتبادل للقتل. ومن المكونات الاخرى التي تسترعى الإهتمام في هذا العمل المسرحي لغازي هو العلامات المدعمة لهذه العلاقة بين الشخصيات. علامات بسيطة في ركح فقير لكن دلالتها كانت كبيرة وعميقة.. ومن هذه الدلالات هو الديكور المتجسد في أوراق ضخمة للعبة الورق أو «الرامي». صورتان كبيرتان «للري ترافل» و«الدام ديناري» كانتا كافيتين للدلالة على أن اللعبة بين هذه الشخصيات هي أشبه بلعبة الورق.. أي مجهولة المصير والتوقعات.. فنحن أمام لعبة داخل اللعبة. اللعبة المسرحية من ناحية والتلاعب بمكونات المسرحية.. في أجل دلالات رمزية. ولعل ما يدعم أكثر هذه القراءة هو المعطى الآخر الواقعي المتمثل في العلاقة التي تربط كاتب «الخادمات» جون جيني بالقضية الفلسطينية. فقد كان إلى آخر يوم في حياته نصيرا للقضية الفلسطينية التي كتب عنها أشعارا خالدة زيادة عن كتابه «أربع ساعات في شاتيلا» عندما عاين ميدانيا مذبحة صبرا وشاتيلا.. وربما لهذه العلاقة بينه وبين فلسطين يعتبر جون جوني أكثر المؤلفين المسرحيين الذي أشتغل على نصوصه المسرحيون التونسيون والعرب على غرار «اليلكون» و«الرسائل» و«الخدمات» وغيرها من النصوص الأخرى. وحيد عبد الله للتعليق على هذا الموضوع: