مرة أخرى اختار المسرحي المهاجر حافظ خليفة مدوّنة الكاتب الفرنسي جان جينيه للاستلهام منها وتحديدا انطلاقا من عملين هما «الخادمات» و«أربع ساعات في شاتيلا» في اقتباس حرّ لابراهيم بن عمر الذي عرفه الجمهور من خلال مجموعة من الأعمال قدّمتها خاصة فرقة بلدية دوز للتمثيل مثل «عود رمّان» اخراج أنور الشعّافي و«حسّ القطا» اخراج حافظ خليفة التي عرضت في الجزائر والقاهرة. وفي هذه المسرحية الجديدة «زريعة إبليس» التي قدّمها في عرض أول مساء الاربعاء 4 نوفمبر في اختتام تظاهرة «بواكير المسرح التونسي» يعود حافظ خليفة الى مسرحية «الخادمات» التي كان قدّمها مع ممثلات ايطاليات قبل ثلاث سنوات لكنه اختار قراءة جديدة لهذا العمل مع مجموعة من أهم الممثلات وهنّ دليلة المفتاحي وجليلة بن يحيى ونورهان بوزيان وهاجر بن سعيد كما استعان بقيدوم فرقة بلدية دوز للتمثيل منصور الصغيّر الذي أكد مرة أخرى انه ممثل كبير ولولا استقراره بحكم ظروفه المهنية والعائلية في مدينة دوز البعيدة عن العاصمة لكان من أكثر الممثلين حضورا سواء في المسرح او السينما او التلفزة. الحكاية تبدأ المسرحية بحادثة اغتصاب وتتطوّر الأحداث فتكبر البنتان في غياب امهما ويكبر معهما سؤال الحرية والتخلص من أسر سيدتهما يحتدّ الصراع بين الشقيقتين في البحث عن الخلاص من عذاب الأسر وغياب الحرية ومعاناة سطوة سيدتهما التي تمعن في تعذيبهما وإهانتهما. وتفشلان في إيجاد صيغة للوئام بينهما وتتحوّل حياتهما الى لعبة عبثية محورها الصراع العبثي غير المبرر. واستعمل حافظ خليفة ركحا صغيرا مضاء مع ستائر وإضاءة وموسيقى تحمل الكثير من الوحشة للدلالة على عمق الصراع وعمق الخيبة والمرارة. وتحيلنا المسرحية ايضا على الصراع الفلسطيني الى حد نتساءل فيه من تكون الشقيقتان؟ ومن تكون تلك السيدة العجوز التي تحيط الشقيقتين بسور عال من المنع والقمع؟ سؤال الأنوثة؟ تطرح المسرحية بعمق في مستواها الأول سؤال الجسد عقدة الثقافة العربية التي مازالت لم تصل الى إنتاج خطاب يحترم الجسد باعتباره فضاء للحرية الشخصية فالجسد مقدّس ومدنّس في ذات اللحظة وهذه مفارقة عجيبة وغريبة ويلحّ سؤال الجسد في هذه المسرحية فالأساطير الشعبية العربية كثيرا ما تتعامل مع الجسد باعتباره لعنة فالمرأة في الخطاب الشعبي كثيرا ما ترتبط بخطاب الغواية والفتنة والتحريم وإذا كان الخطاب العربي يتعامل مع سؤال الجسد بكثير من الريبة والشك والحذر فإن العلاقات الجنسية كثيرا ما تحاط بالسرية والتعتيم فإذا كان الحب مطاردا غير متجانس فإن العلاقات العاطفية الجنسية كثيرا ما تكبر في العتمة والصمت لذلك تدعو المسرحية الى التفكير بصوت عال في سؤال الجسد والحب والعلاقات العاطفية حتى لا تفقد روحها الانسانية الرحبة. أداء بعد غياب طويل عادت جليلة بن يحيى الى الركح لتؤكد انها ممثلة كبيرة افتقدها المسرح التونسي وقد كان لقاؤها مع دليلة المفتاحي فعلا لقاء قمّة فنية حقيقية في سينوغرافيا حملت الكثير من الشعرية العارمة اما هاجر بن سعيد ونورهان بوزيان فقد حملتا أملا في ولادة ممثلتين كبيرتين وقد كانت إضافة شخصية «الحلايبي» التي لم يستعملها جينيه في النص الأصلي لل «خادمات» مغامرة حقيقية منحت هذا النص شحنة من الدراما جسّدها منصور الصغيّر على أحسن وجه. بعد العرض الاول ستعرض «زرّيعة إبليس» في مجموعة من العروض كما ستسافر الى إيطاليا.