باصراره على نطق اسمه كاملا باراك حسين اوباما وهو يؤدي اليمين الدستورية امام الملايين قد يكون الرئيس الامريكي الجديد تعمد مثل هذه الاشارة الرمزية التي لا يجب تحميلها اكثر مما تحتمل بتمسكه بجذوره واصوله العائلية وقد تكون ايضا ردا غير مباشر على الانتقادات والاتهامات التي لاحقته خلال حملته الانتخابية بسبب اسمه ونشاته وكانه يعلن على الملا ان هذا الاسم لم يمنعه من تحقيق حلمه والفوز بلقب الرئيس الرابع والاربعين للولايات المتحدة ولقب اول رئيس من اصول افريقية للبيت الابيض وانه لن يمنعه مستقبلا من القيام بمهامه، بل الحقيقة ان الالقاب التي حصدها اوباما خلال الساعات الاولى من توليه منصبه رسميا تجاوزت هذا الامر امام الاحتفالات التاريخية التي صاحبت تعيينه والتي يبدو ان الذاكرة الامريكية لن تشهد لها مثيلا من قبل. والطريف ان اوباما وجد نفسه يضيف الى كل ذلك لقبا اضافيا وهو يؤدي اليمين الدستورية مرة ثانية بسبب خطا ارتكبه وهو يؤدي اليمين للمرة الاولى حينما تلعثم في نطق احدى كلمات القسم الامر الذي تطلب اداءه مجددا في البيت الابيض ولكن بحضور محدود على ان هذا الاصرار على التمسك بكل حرف من احرف القانون وبكل كلمة وردت في الدستور من شانها ان تدعو للتساؤل عما اذا كان الحرص على تطبيق القانون والعدالة سيرافق دوما مسيرة اوباما؟ طبعا سيكون للبيت الابيض قيوده قد لا تعكس القرارات النهائية الوعود الانتخابية التي تطلع اليها الناخبون في نهاية المطاف فللبيت الابيض بالتاكيد ضغوطاته واحكامه واذا كان الرئيس الاسبق ريغن وصفه بفندق ذي ثماني نجوم فان هاري ترومان كان اكثر واقعية عندما وصفه بدرة تاج جهاز السجن الفيدرالي... من الاقتصاد الى الدفاع ومن العدالة الى الدفاع والارهاب ومن الفقراء الى الاغنياء ومن افغانستان الى العراق ومن اليهود الى المسلمين ولكن دون اشارة الى اسرائيل او غزة تعرض اوباما الى اوجاع العالم واماله بلغة مغايرة للغة الحديد والنار التي داب سلفه على ترديدها وهو يقسم العالم والشعوب الى محور للشر واخر للخير واخرى معتدلة او غير معتدلة واعتمد في خطابه خيارالحوار بدل التهديد والحكمة بدل القوة واستعراض العضلات وهي لغة وان كانت مهمة ومطلوبة في الخطاب السياسي والديبلوماسي فانها قد لا تعني الكثير او القليل قبل ان تتجسد وتخرج من اطار الكلمات الى اطار الافعال... والحقيقة ان خطاب اوباما الذي لم يتجاوز الثمانية عشرة دقيقة قد اثار حتى الان من القراءات والتاويلات والتوقعات ما يؤكد مجددا الدور الامريكي المطلوب على الساحة الدولية وفي اكثر من نزاع. ولعل في مسارعة الرئيس اوباما وبعد ساعات فقط من توليه منصبه اعلان قراره باغلاق سجن غوانتانامو الذي يعتبر خرقا فاضحا للقانون الدولي والانساني اول اشارة باتجاه العودة الى سلطة القانون والقطع مع سياسات سلفه في افغانستان والعراق ووضع حد لاحد اسوا الفصول السياسية والاخلاقية التي لاحقت الادارة الامريكية السابقة وشطب ما وصف بانه السجن الذي "لم يكن بامكان الشيطان نفسه ان يضعه"بكل ما حمله ذلك من صفعات متالية لصورة ومصداقية امريكا في العالم. ولاتخلو هذه الخطوة التي بدا بها الرئيس اوباما ولايته على اهميتها من غموض ومن صعوبات كثيرة فهي تتعلق بنحو245 سجينا في غوانتانامو21 منهم تمت محاكمتهم فيما لا يزال 60 اخرون ينتظرون اما اطلاق سراحهم او نقلهم الى بلدانهم الاصلية وقد ابدت حتى الان بعض الدول الاوروبية استعدادها لاستقبال سجناء غوانتانامو اذا كان ذلك سيساعد في اغلاق المعتقل بما يمكن ان يساعد الرئيس الامريكي على الوفاء باحد وعوده الانتخابية .اما تصريح الرئيس الامريكي الجديد بشان العراق بضرورة وضع مصيره بين ايدي ابنائه في اسرع وقت ممكن وذلك في اليوم الاول من دخوله البيت الابيض فهو تذكير ذكي ايضا من جانبه بالتزامه بوعوده المعلنة وقد اقترنت هذه التصريحات والوعود باجراء عملي وهو تجميد رواتب العاملين في البيت الابيض وتشديد قواعد عمل جماعات الضغط في الحكومة والتصدي للفساد وبذلك يكون اوباما استهدف بهذه الخطوات الاولية الراي العام الامريكي والدولي الذي يراقبه عن كثب... لقد اعتمد اوباما التدرج في استعراض التحديات التي ورثها عن سلفه وكاي زعيم يسعى لبناء جسور الثقة مع شعبه تركزت اولوياته على البيت الامريكي وما تستوجبه تداعيات الازمة الاقتصادية من اصلاحات مطلوبة لاعادة مصداقية امريكا وصورتها وموقعها على الساحة الدولية نحن واوباما... ولعل الذين يولون الكثير من الاهتمام للتصريحات والاتصالات الهاتفية الاولى للرئيس الامريكي في مثل هذه المرحلة قد يجدون في كلامه بشان الشرق الاوسط واتصاله بالرئيس ابومازن مؤشر على ان الادارة الجديدة لن تنتظر اقتراب نهاية ولاية اوباما لتبدا التحركات ايضا لاعادة انقاذ ما يمكن انقاذه بعد تجربة رايس مع ليفني في احكام الطوق على الشعب الفلسطيني وتحويل المفاوضات الى لعبة لمزيد الابتزاز وتوسع الاحتلال مقابل الوعود والاوهام ولعل الكثرين ايضا سعدوا وراهنوا على الوجوه القديمة الجديدة التي اختارها اوباما بناء على تجاربها السابقة الحكومات الامريكية السابقة ولاسيما في حكومة الرئيس كلينتون في المنطقة مثل جورج ميتشل الذي حمل حتى وقت قريب مشروع خطة ميتشل او دنيس روس الذي ارتبط اسمه بالرحلات المكوكية الى المنطقة وأي تغيير مطلوب في المنطقة سوف يعني بالتاكيد العدالة وانهاء الاحتلال وهو الامر الذي لم يسبق لاي رئيس امريكي ان التزم بتحقيقه حتى الان وهو ايضا التغيير الذي من شانه ان يتطلب وفي هذه المرحلة تغييرا يضا على مستوى الخارطة العربية المشتتة والمطالبة بالارتقاء الى المستوى الذي يجعل قياداتها قادرة على الدفاع على قضاياها العادلة والتحرك بما يمكن ان يكفل لها احترام الاطراف الاخرى التي تمتلك اسباب صنع القرار وتجلب لها احترام شعوبها واحترام بقية العالم لها... وفي انتظار انقضاء اول مائة يوم في ادارة الرئيس اوباما وما يمكن ان تكشفه رزنامة عمله وتحركاته فان استحقاقت المرحلة وتحدياتها المتفاقمة تستوجب بدورها بحث سبل استثمار التغيير الجديد الحاصل قي ادارة البيت الابيض بما يمكن ان يعطي القضية الفلسطينية دفعا جديدا ويجنب الشعب الفلسطيني المزيد من الفرص الضائعة والاختبارات الخطيرة التي جعلت منه حقلا مفتوحا لكل التجارب المدمرة. وربما من المهم في هذه المرحلة ان يكون هناك حرص على الاستفادة من الحرب الهمجية على غزة وتحويلها الى نقطة انطلاق جديدة باتجاه الاستفادة من الدعم والتاييد الشعبي والرسمي والديبلوماسي والاعلامي الذي اعاد قضية الشعب الفلسطيني الى السطح نتيجة حرب الاسابيع الثلاثة على غزة والتمسك بملاحقة مجرمي الحرب الذين خططوا ونفذوا لها... لا احد يتوقع ان يعلن اوباما انه سيلاحق سلفه قضائيا بسبب سياساته في العراق وافغانستان ولا احد ايضا يتوقع ان يستفيق العالم وقد قرر الرئيس الجديد محاسبة رامسفيلد وديك تشيني وغيرهم من الصقور بسبب غوانتانامو وابوغريب ولكن لا احد ايضا بامكانه ان يمنع اصحاب الحق من رفع اصواتهم اذا ما اجتمعت للمطالبة بالقصاص عن كل جريمة ارتكبت في حق الانسانية... الحديث عن اوباما وادراته لا يزال في بدايته والارجح ان الرجل سيظل موضع كلام كثير وهو الذي اثار ولايزال يثير من حوله جدلا لن يتوقف قريبا...